اشتدت الحملة ضد «السد العالى» عامى 1974 و1975، وانتظم لاعبون فى السيرك المنصوب لها، يفعلون أى شىء لتشويه هذا المشروع العظيم، إلى درجة مطالبتهم بضرورة الإسراع فى هدمه، لإنقاذ مصر من آثاره المدمرة «قبل أن يصبح الوقت متأخرا»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى فيليب جلاب، فى كتابه «هل نهدم السد العالى؟».
يطرح «جلاب» سؤاله ساخرا مما يطرحه هؤلاء كقولهم: «بسبب السد العالى ازدادت ملوحة التربة، وازداد النحر فى مجرى نهر النيل، وانخفضت نسبة الطمى التى تخصب الأراضى المصرية، وهجر السردين شواطئ دمياط ورشيد وبورسعيد»، يضيف «جلاب» ساخرا، أن أحد الباحثين اكتشف أن هناك علاقة وطيدة بين السد وتلوث مياه الشرب فى القاهرة، أى أن هناك علاقة بين السد وبين نقص مادة الشبة وغاز الكلور المستخدمين فى تنقية وتطهير المياه قبل أن تصل إلى البيوت، وكانت الصحف أشارت وقتئذ إلى أزمة حادة فى «الشبة» و«الكلور».
يواصل «جلاب» سخريته، قائلا: «اكتشف صاحب كازينو على النيل فى القاهرة أن النهر العظيم فقد سحره القديم، ولم تعد مياهه الحمراء أو السمراء المحملة بالطمى تندفع كسابق عهدها، وتدفع أمامها كل شىء».
يؤكد «جلاب» أن السخف فى تلك «الاكتشافات» تجاوز حدود الهزل إلى محاولات غاية فى الدأب لتشويه أعظم منجزات ثورة يوليو ومنجزات جمال عبدالناصر، يضيف: «مشكلة أعداء السد أنهم لا يضعون خطا فاصلا بين ملاحظاتهم وتحفظاتهم الفنية، إن وجدت، وبين معتقداتهم السياسية وعدائهم المرير لثورة 23 يوليو، ولجمال عبدالناصر»، يؤكد «جلاب»: «إن كل خبراء السدود فى العالم يعرفون أن هناك آثارا جانبية لبناء أى سد فى أى مكان، والذين درسوا مشروع السد العالى من الخبراء المصريين والعالميين وتحمسوا له ونفذوه، يعرفون أن له آثارا جانبية مثل أى مشروع مماثل فى العالم».
فى إبريل 1975 تولى المهندس عبدالعظيم أبوالعطا، وزارة الرى، وتصدى لهذه الحملات، يؤكد «جلاب» أن ردود «أبوالعطا» اتسمت بأسانيد علمية وتكنولوجية وبأرقام وشواهد عملية ولم يلتفت إليه أحد، قال بالحرف الواحد، إن فيضانات النهر منذ عام 1964 حتى عام 1972 كانت منخفضة عن معدلها الطبيعى، ففيضان عام 1965 كان منخفضا بمقدار 12,5 مليار متر مكعب عن متوسط الفيضانات خلال تسعين عاما، وتبعه فيضان عام 1966 الذى كان أكثر انخفاضا عن المتوسط بمقدار 20,3 مليار متر مكعب، ثم جاء فيضان عام 1968 بأقل من أشد الفيضانات انخفاضا منذ عرفت أرصاد النيل العليا وهو فيضان عام 1913، يؤكد «أبوالعطا»: «على امتداد تلك الأعوام وحتى 1971 كان السد العالى هو درع الأمان لنا، ولولا وجوده فى تلك السنوات شحيحة الإيراد لتعذر ملء الحياض التى لم يكن تم تحويلها بعد، وتعرضت التنمية الزراعية لهزات عنيفة، وجاء فيضان عام 1972 شحيحا جدا فى إيراده قريب الشبه بفيضان 1913، حتى بلغ إيراد النهر عند أسوان فى ذلك العام 52,7 مليار متر مكعب، ولولا وجود السد لكان 1972 هو عام القحط والمجاعة، ولكن بفضل مخزون المياه أمام السد لم يشعر أبناء هذا الوطن بمخاطر قحط مروع كاد أن يعصف بنا فى ذلك العام».
شمل دفاع «أبوالعطا» عن السد مرحلة ما قبل عام 1975، وهو نفس ما فعلته المجالس القومية المتخصصة، حيث أعدت دراسة طويلة عنه، شارك فيها خبراء من كل التخصصات، بإشراف المهندس أحمد عبده الشرباصى، ووفقا لجريدة الأهرام، وعلى صفحتها الأولى يوم 20 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1975، قدم الدكتور عبدالقادر حاتم رئيس «المجالس» الدراسة إلى الرئيس السادات، وكانت نتائجها، أن السد أهم الأعمال الهندسية فى العالم، وأن فكرة إنشائه جاءت بعد استغلال كل الموارد المائية المتاحة، وبمقارنته بالمشروعات البديلة يعتبر أكثرها صلاحية.
وأشارت الدراسة إلى: «أهداف حققها السد، أبرزها، حجز مياه النيل التى كانت تذهب إلى البحر دون استفادة، وتوفير 4459 كيلو وات ساعة من الكهرباء، واستصلاح 912 ألف فدان من المياه التى وفرها السد، وإن كانت عملية الاستصلاح قد توقفت إلا أن ذلك يرجع إلى أسباب اقتصادية وليس لعدم توافر المياه»، تؤكد الدراسة: «رغم المساحات الكبيرة من الأراضى الزراعية التى استخدمت فى التوسع العمرانى وبناء المصانع، فقد أضافت المساحات المستصلحة إلى المساحة المحصولية ما يوازى أكثر من مليون فدان، وتحويل 972 ألف فدان من أراضى الحياض إلى نظام الرى الدائم، ومساهمة السد فى التوسع الرأسى فى محاصيل كثيرة، من أهمها الأرز، ووقاية البلاد من الفيضانات العالية، وتحسين الملاحة النهرية نتيجة استقرار مناسيب المياه والقنوات الملاحية طوال العام»، وقدرت الدراسة الزيادة التى حققها السد للدخل القومى فى عام 1973 وحده، بنحو مائة مليون جنيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة