شاكر عبد الحميد.. رحيل مثقف كبير خدم الثقافة وأحب وطنه.. قراءة فى كتابه "التفسير النفسى للتطرف والإرهاب" دليلنا لفهم الحالة النفسية لكارهى البلدان.. ومعرفة النظريات العالمية فى تفسير سلوكهم

الخميس، 18 مارس 2021 11:28 م
شاكر عبد الحميد.. رحيل مثقف كبير خدم الثقافة وأحب وطنه.. قراءة فى كتابه "التفسير النفسى للتطرف والإرهاب" دليلنا لفهم الحالة النفسية لكارهى البلدان.. ومعرفة النظريات العالمية فى تفسير سلوكهم الدكتور شاكر عبد الحميد
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فقدت الثقافة المصرية، منذ قليل، مثقفا كبيرا هو الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، وذلك بعد أيام من معاناته مع فيروس كورونا، وانتقاله إلى أحد المستشفيات فى الجيزة، شاكر عبد الحميد من مواليد 20 يونيو 1952 بأسيوط بصعيد مصر، وعمل أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة ثم تولى منصب وزير الثقافة بوزارة كمال الجنزورى فى ديسمبر 2011، وهو أستاذ لعلم نفس الإبداع - أكاديمية الفنون المصرية.
 
وقد حاز شاكر عبد الحميد على جوائز عديدة منها جائزة شومان للعلماء العرب الشبان فى العلوم الإنسانية والتى تقدمها مؤسسة عبد الحميد شومان بالمملكة الأردنية الهاشمية عام 1990، جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية – مصر – 2003، جائزة الشيخ زايد للكتاب فى مجال الفنون -2012 عن كتاب الفن والعرابة.
 
 
ونعرف للدكتور شاكر العديد من الكتب، ولكن بوصفه مثقفا وطنيا، سوف نتوقف مع كتاب له مهم، صدر فى عام 2017، قدمته جريدة القاهرة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية بعنوان "التفسير النفسى للتطرف والإرهاب" وفى هذا الكتاب نقاط كثيرة تصلح للتوقف أمامها لكن ما يهمنا الآن هو ما رآه الباحثون عن الحالة النفسية للإرهابى، يقول الدكتور شاكر إن هذا الأمر فيه خلاف فكثير من الباحثين يرون أن المتطرفين عدائيون وجامحون ومختلون وأنهم يقتلون بدم بارد وأنهم ضد الحضارة والتقدم وأشرار، بينما يذهب فريق آخر إلى أنه لا توجد سمات خاصة تميز الإرهابيين عن غيرهم، وأن محاولة وصف الإرهابيين بهذه الصفات السلبية يمثل محاولة لإلصاق وصمات نفسية مرضية خاصة بهم ويمثل أيضا نوعا من الابتعاد عن الطريق الصحيح.
 
لكن مع هذا يرى الدكتور شاكر عبدالحميد أن هناك بعض الخصائص المميزة للمتطرفين، وإن كان يعترف بصعوبة التعميم، هذه الخصائص منها، أن قادة هذه الجماعات غالبا ما ينتمون إلى طبقات اجتماعية متوسطة أو أعلى من المتوسط، وكذلك من مستويات تعليمية مرتفعة "طلاب الهندسة والطب فى مصر مثلا"، ومع تطور هذه الجماعات يظهر قادة جدد لا يكونوا بالضرورة من مثل هذه المستويات الاجتماعية والاقتصادية أو التعليمية.
 
ويؤكد شاكر عبدالحميد أن انتماء شخص ما لجماعة ما ليس معناه أن يقوم بإلغاء شخصيته تماما، فمثلما يتأثر هو بمعاييرها وقيمها وشروطها، قد يقوم هو أيضا بالتأثير فيها من خلال طرحه لأفكار جديدة قد يعتبرها قادة الجماعة مفيدة وذات تأثير إيجابى محتمل على وجودها واستمرارها.
 
التفسير النفسى
 
ومع ذلك فإن الدكتور شاكر عبدالحميد اعتمد دراسة للباحث السياسى والاجتماعى الأمريكى ليرد ويلكوكس ضمن مشروع "خدم جرائم الكراهية" حدد عددا من الخصائص التى رأى أنها تصف هذه الجماعات أكثر من غيرها، وهذه الخصائص التى يصل عددها إلى 21 هى: الاغتيال المعنوى للشخصيات، إطلاق التسميات والألقاب، إطلاق التعميمات، عدم توفر البراهين الكافية من الوصول إلى تأكيدات معينة، التبنى للمعاير المزدوجة، الميل إلى النظر إلى خصومهم ومنتقديهم على أنهم أشرار بطبيعتهم، الرؤية الثنائية الضدية للعالم، التأييد لوجود درجة معينة من الرقابة أو الكبت لخصومهم ومنتقديهم.
 
كذلك من هذه السمات: الميل إلى تعريف أنفسهم فى ضوء تعريف عدوهم لنفسه من يكرهونه ومن يكرههم، الميل إلى الجدل وطرح القضايا من خلال التخويف والترهيب والتهديد، الاستخدام للشعارات والكلمات الطنانة والعبارات الرنانة والأكليشهات التى توقف التفكير المنطقى، الافتراض الخاص بتفوقهم أخلاقيا، التفكير المتعلق بيوم الحساب أو الدينونة، الاعتقاد بأنه من الجيد أحيانا القيام بأشياء سيئة من أجل قضية عادلة، التركيز على الاستجابات الانفعالية والاتفاق والتركيز على نحو أقل على المنطق والتحليل، الحساسية العالية والتنبه، الاستخدام لمنطق ما ورائى من أجل تبرير معتقداتهم وأفعالهم، مشكلات التحمل للغموض وفقدان اليقين، الميل إلى استخدام ما يسمى الفكرة أو الرأى الجمعى، الميل إلى شخصنة العداء، الشعور بأن النظام لا يكون جيدا إلا عندما يكسبون هم أو يفوزون.
 
وفى فصل تحت عنوان "نظريات مفسرة للتطرف"، يتوقف الدكتور شاكر عبد الحميد أمام عدد من النظريات النفسية التى حرص أصحابها على بحث هذا السلوك الصعب، الذى يعانى منه المجتمع ومن سلبياته، وقد كان للدكتور مصطفى سويف رأى مهم، حيث ربط بين التطرف ومفهومى التصلب والمرونة، وذهب إلى أن التصلب أساس الجمود والتوتر، ومن ثم التطرف فى الاستجابات، أما المرونة فى رأيه فهى أساس التكامل الاجتماعى وجوهر الإبداع.
 
كذلك يقرأ علينا الدكتور شاكر نظرية "الهوية الاجتماعية"، وهذه النظرية تنطلق من كوننا نصنف أنفسنا باعتبارنا أفرادًا ينتمون إلى جماعات، وتم تصنيف الجماعات التى ننتمى إليها على أنها جماعات داخلية، أما الجماعات الأخرى التى لا ننتمى إليها فيتم تصنيفها على أنها جماعات خارجية، وتقوم هذه النظرية على المبادئ الخاصة بالمقارنة بين الجماعات، وعند إحساسها بالخطر يكون رد فعلها عادة متطرفًا ضد الجماعات التى لا ننتمى إليها.
 
 
وفى نظرية ثالثة تسمى "نظرية الصورة" يرصد لنا شاكر عبدالحميد رؤيتها، التى تتلخص فى أن المتطرفين يحتفظون بصورة واحدة لهم وللآخرين المختلفين عنهم، هذه الصورة تسيطر عليهم، وتقوم على الإدراك بأن "جماعة ما أخرى، جماعة تمتلك القوة والثروة، وربما الثقافة، على وضع استثنائى وظالم، وذلك لم يحدث إلا لأن الجماعة الأخرى قد امتصت ثروات ومقدرات خاصة منهم"، وبالتالى يكون رد الفعل هو الإرهاب.
 
أما "العزو" فهى نظرية أخرى يتأملها معنا شاكر عبدالحميد، وهى تنطلق من فكرة أن الإنسان يفكر فى الأسباب التى يرجع إليها سلوكه، هل هى داخلية نتيجة لظروفه، أم أنها خارجية، ناتجة عن تربص الآخرين به، أو ما يمكن أن يطلق عليه "نظرية المؤامرة"، وعلى أساس هذا الفهم يكون رد الفعل العنيف.
 
والنظرية الخامسة التى يتوقف أمامها شاكر عبدالحميد هى "خلع الهوية ونزع التفرد والتجرد من الإنسانية"، حيث يذكر الدكتور شاكر رأى عالم النفس الأمريكى "زيمباردو"، الذى يرى أن هناك عمليتين أساسيتين فى تحويل الإنسان، أيًا كان انتماؤه الدينى أو العرقى، إلى كائن متطرف يمارس العنف والتعذيب للآخرين، وربما القتل لهم على نحو مجرد من الإنسانية، العملية الأولى "نزع الفردية"، وذلك بالدخول فى جماعة والتخلى عن "الشخصى"، والعملية الثانية هى تجريد الآخر من إنسانيته، لذا يستحق التعذيب والموت، وفى كلا الحالين يلعب التبرير دورًا فى تمرير كل العنف الناتج عن ذلك.
 
النظرية الأخيرة التى يقدمها لنا شاكر عبدالحميد، ويرى أنها مفسرة لفعل التطرف، هى "الغرابة"، حيث يكون الإنسان عدو ما يجهل، لا يحب التحديث، ويرى أى شىء جديد سيئًا، وفى داخله يكمن الشر. 
 
وقد تشعب بنا الكتاب فى نواحٍ مختلفة وقدم قراءات متنوعة فى النهاية اختتم الدكتور شاكر عبدالحميد كل ذلك بمحاولة تقديم حل يعتمد على تبنى ثقافة الإبداع فى مواجهة ثقافة الإرهاب التى بدأت تنتشر بشكل كبير.
 
ويخلص شاكر عبدالحميد إلى أنه فى مواجهة التطرف والإرهاب والتزايد المتواصل للعنف السياسى وغير السياسى فى العالم بشكل عام، نطرح الآن بعض الملاحظات الختامية التى قد تكون ذات فائدة فى هذا السياق ومنها، ضرورة تعديل الخطط والبرامج الدراسية مع التركيز على
موضوعات متعلقة بالقيم الإنسانية والتربية عن طريق الفن وتنمية الخيال، وتنمية أساليب التفكير ومهاراته "الناقد/الإبداعى/ اتخاذ القرارات حل المشكلات - الذكاء العاطفى"، وتشجيع الاستخدام للاستراتيجيات الإيجابية، وإعادة صياغة المشكلة بطريقة إيجابية وليس الإنكار أو الانفصال أو التركيز على عوامل خارجية فقط، فالتركيز على المشكلة لمحاولة حلها هو المهم وكذلك المواجهة الاستباقية للأزمات قبل استفحالها، والانتباه للمخاطر وعدم دفن الرؤوس فى الرمال، وعدم تجنب التهديدات أو تجاهلها والتركيز على الهروب منها أو تأجيلها والتسامح والعفو عند المقدرة، وضرورة تطبيق جميع معايير العدالة الاجتماعية، وأيضا البحث عن وسائل تباعد الأفراد، من خلال التربية والتعليم وغيرهما من الوقوع فى براثن النمطية والتكرار والاجترار والتشابه والتفكير الدائرى، مع التأكيد على أهمية الاهتمام بالتعدد والقنوع والكثرة والاختلاف.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة