اقرأ مع زكى نجيب محمود.. "وجهة نظر" حول دور الكاتب فى مجتمعه

الإثنين، 01 مارس 2021 12:00 ص
اقرأ مع زكى نجيب محمود.. "وجهة نظر" حول دور الكاتب فى مجتمعه وجهة نظر
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل إلقاء الضوء على كتب المفكر الكبير زكى نجيب محمود (1905- 1993) الذى يعد واحدا من أبرز مفكرى مصر والعالم العربى فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه "وجهة نظر".

يقول زكى نجيب محمود فى مقدمة الكتاب:

فى هذا الكتاب وجهة نظر إلى طائفة من قضايا الفكر فى حياتنا، ومجرد قولنا إنها "وجهة نظر" يتضمن الاعتراف باحتمال أن يكون هنالك وجهاتٌ أخرى للنظر؛ وبالتالى فهو يتضمن كذلك أن الصواب ليس مكفولًا لها وحدها، أكثر مما هو مكفول لغيرها، لكن ذلك لا ينقص مثقال ذرةٍ من يقين الكاتب عن نفسه بأنه قد حاول الدقة فى عرض وجهة نظره ما استطاع إلى الدقة من سبيل، وبأنه كان صادقًا فى الإعراب عن نفسه ما أسعَفَته القدرة على استخدام اللفظ فى أن ينقل إلى الناس ما أراد أن ينقله.

 

وجهة نظر
وجهة نظر
 
ولعل أهم قضيةٍ فكريةٍ تصادفنا، هى قضية الشخصية العربية الجديدة ومُقوِّماتها، فماذا تكون معالمها وقسماتها؟ إننا بإزاء ماضٍ طويلٍ مجيدٍ غنى بآثاره، وكذلك نحن بإزاء حضارةٍ علميةٍ صناعيةٍ لم يكن للعالم كلِّه عهدٌ بمثلها، فماذا نأخذ وماذا ندع؟ إننا ما كِدنا نلتقى فى أوائل نهضتنا الحديثة بطلائع العلم الحديث، حتى انقسمنا على الفور شُعبًا ثلاثًا: أُولاها جَفلَت من العلم الجديد الوافد عليها فرفَضَته لائذةً بالماضى ومجده، وفَرِحَت الثانية به فرحة الأطفال اندفاعًا وتفاؤلًا، فأقبَلَت عليه إقبالًا أنساها كل شيءٍ ما عداه. 
 
وأمَّا الثالثة فهى التى ألقت بالبصر إلى بعيد، لترى أمل البعث معقودًا على دمج الجانبَين فى ثقافةٍ عربيةٍ جديدة، لا هى الموروث وحده ولا هى الحضارة العلمية وحدها. 
 
وقد لَبِث كاتب هذه الصفحات أمدًا من حياته طويلًا، يسلُك نفسه فى زمرة المؤمنِين بالعلم الجديد وحده مستغنيًا به عن كل موروثٍ قديم، وهو اليوم يُغيِّر من وجهة نظره، ليرى استحالةً تامةً فى أن تتكون شخصيةٌ متميزةٌ فريدة — سواءٌ أكانت شخصية فردٍ واحدٍ أم كانت شخصية أمةٍ بأَسْرها — من العلم الجديد وحده؛ لأن العلم عامٌّ ومشترك؛ وإذن فلا بد أن يجيء التميز من خصائصَ أخرى، فماذا تكون تلك الخصائص المميزة إن لم تكن مستمدة من أسلوب الحياة وموازين التقويم التى تجعل عند الناس شيئًا أهم من شيء، وفكرة أنبل من فكرة؟ ولمَّا كان هذا الأسلوب وهذه الموازين لا تُخلَق كل ساعة وكل يوم، بل هى على شيء من الدوام النسبي، فدوامها النسبى هذا معناه أنها مأخوذة من الماضي، وهذا بدوره هو الذى يحفظ للأمة استمرارها فى سيرةٍ متصلة، مرتبطٍ حاضرها بماضيها.
 
على أننى إذ أرى ضرورة اجتماع العلم المشترك والقيم الخاصة الموروثة فى مُركَّبٍ واحد، منه تتكون الشخصية العربية الجديدة، لا أنسى أن العلم ليس هو القِيَم؛ فالأول موضوعي، والثانية ذاتية، دون أن تكون موضوعية الأول فخرًا له، ولا ذاتية الثانية مسيئة لها. ولست أنوى الإفاضة فى هذه التفرقة، بل إنى لم أذكر عنها شيئًا فى هذا الكتاب، وكفانى ما قُلتُه عنها وما لَقِيتُه بسببها.
 
والقضية المهمة الثانية التى أَبدَيتُ فيها وجهة نظري، هى قضية تقويم العمل الذى اضطلع به رجال الفكر والأدب منذ الثورة العرابية إلى ثورة ٢٣ يوليو سنة 1952، وعندى أنها فترةٌ طويلةٌ من الجهاد المستميت فى سبيل الحرية. غير أن «الحرية» المنشودة أخذ معناها يتسع ويعمُق، كلما ازددنا لها كسبًا، وازددنا فى المستقبل أملًا: فمن حريةٍ كادت تقتصر على معنى التحرُّر من المستعمر، إلى حريةٍ متعددة الفروع: فى الأدب والفن والعلم، إلى حريةٍ اجتماعيةٍ شاملة. وإذا كان ذلك كذلك فليس صحيحًا أن رجال الفكر والأدب خلال تلك السنوات كلها — وفيما بين ثورتَى ١٩١٩م و١٩٥٢م بصفةٍ خاصة — كانوا يضربون فى الهواء بغير هدفٍ مقصود.
 
وقضيةٌ ثالثة، هى الفردية وماذا تعنى فى المجتمع الاشتراكي؛ إذ هنالك من يحسب أن مثل هذا المجتمع يأبى الفردية ويلفظها. وفى رأينا أن الأمر يحتاج إلى تحليلٍ يُوضِّح لنا معنى الفردية الملفوظة؛ إذ مُحالٌ أن تكون مرفوضةً على إطلاقها، فى الوقت الذى يُسمَّى كلُّ فرد باسمٍ خاصٍّ يُميِّزه من سائر الأفراد. وقد انتَهيتُ — بعد التحليل — إلى رأى هو أن الفردية لا تتناقض مع المجتمع إلا إذا فُهِمَت على أنها جوهرٌ قائمٌ بذاته مُغلَقٌ على نفسه فى حصنٍ حصينٍ لا تنفتح جدرانه على خارجه. وأمَّا إذا فُهمَت على أن قوامها وكيانها وصلبها وصميمها هو فى مجموعه «العلاقات» التى تربط الفرد بسواه من الناس أو من الأشياء، رُفع التناقُض، وأصبح الأصوب أن نقول: «الفرد فى المجتمع»، بدل قولنا: "الفرد تجاه المجتمع"، وبقبول هذا المعنى للفردية، تتفرع لنا نتائج كثيرة عن «الأنا» و«الآخر»؛ إذ لا يعود أحد الطرفَين مفهومًا بغير الثاني، وعن "الخاص" و"العام"، إذ يُشترط فى الخاص أن يخدم العام، كما يشترط فى العام أن يخدم الخاص، وهكذا من التفصيلات الجزئية الكثيرة التى تعترض حياتنا الفكرية.
 
وقضيةٌ رابعةٌ هى قضية التزام الكاتب بمشكلات المجتمع، ووجهة النظر المعروضة هنا أن ذلك شرط يبلغ من البداهة حدًّا يجعل اشتراطه تحصيلًا لحاصل؛ فالكاتب غير الملتزم بفكرته ومبدئه لم تشهده الدنيا بعدُ، وحسبه التزامًا أنه يستخدم اللغة فى التعبير عن فكرته، واللغة ظاهرة اجتماعية، وليست هى بالرموز السحرية التى يقررها الكاتب لنفسه بحيث لا يفهمها أحد سواه. فإذا كانت لدى فكرة عن التعليم الجامعى — مثلًا — وعبَّرتُ عنها فى مقالة أو فى كتاب، فمتى يكون هذا التعبير ملتزمًا ومتى لا يكون؟ قد يقال: لا، نحن لا نريد ذلك، وإنما نريد أولئك الكُتاب الذين يكتبون ليُمتعوا أنفسهم وقُراءهم فى غير مشكلةٍ قائمة، لكنى أسأل بدوري: أهى متعة لا تنطوى على «فكرة»؟ وإذا كان فى ثناياها فكرةٌ مبثوثة، أليست هى فكرة الكاتب التى التزم أمام نفسه بعرضها على الناس فى الصورة التى اختارها؟ وهل هى فكرة لا فرق بين قبولها ورفضها، أو أن قبولها يُشكِّل القارئ على نحو، ورفضها يُشكِّله على نحوٍ آخر؟ فإذا كان هذا هو أمرها، إذن فهى متصلةٌ بالناس وسلوكهم، وإذن فهو كاتبٌ التزم فكرته فى تطوير المجتمع.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة