لم تمنعه إصابته الخطيرة التى تسببت فى قطع ذراعه فى أن يبتعد عن مهنة أجداده رغم كبر سنه فهو فى العقد السابع من عمره ورغم ذلك مازال يمتهن أصعب الحرف التى لا يتعامل فيها سوى مع الحديد والنار وتحديدا فى مكان بعيد فى عمق قرية المعصرة بالداخلة فى زقاق صغير معروف باسم شارع الكور حيث أقدم كور حدادة بلدى تم إنشائه منذ 150 عام بالوادى الجديد والذى يديره عم حسين محمد إبراهيم سليمان وهو رجل مسن مبتور الذراع ويساعده فى العمل نجله ناصر وهو حاصل على شهادة الثانوية الأزهرية حيث يعملان فى صناعة الفئوس والمناجل ومستلزمات الفلاحين اليدوية ويعتمدون فى تشغيل الكور على خشب السنط والفحم الناتج عنه .
و"الكور" هو عبارة عن آله بدائية لإشعال النيران وتعرف فى اللغة العربية بإسم "الكير" وتعتمد فى عملها على ضخ الهواء يدويا إلى منفذ النيران لإشعالها كى تصهر المعادن وخاصة الحديد حيث تتكون من مجموعة من الأخشاب والجلو المصنوعة على شكل مضخة تعمل بذراع خشبية وبها سلسلة للسحب المتكرر ويتواجد الكور داخل منزل عتيق ويحيط به سنديان ومطارق ومكان أخر لتجهيز الفحم لاشعاله فى تسخين وصهر الحديد، حيث يجرى صناعة الفئوس والمناجل والأزاميل وغيرها من الأدوات اليدوية التى يحتاجها الفلاحين بالقرية .
وقال الحاج حسين إبراهيم سليمان، وشهرته حسين الحداد، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أنه ورث تلك المهنة عن أجداده حيث كانت مهنة الحدادة من أهم المهن التى تمثل دورا حيويا منذ عقود طويلة ومع تطور الصناعات أصبح كور الحداد مجرد تراث قديم ولكن حبه لتلك المهنة التى تربى عليها جعله يستمر فيها حتى بعد أن فقد ذراعه فى حادث وعلمها لنجله الذى إحترفها بالفعل .
ويضيف الحداد، العم حسين، أنه لا يشترط سعر محدد للمنتجات التى يقوم بتصنيعها ولكنه يترك الأمر للفلاح ليدفع ما يستطيعه ويرضى بالقليل على الرغم من ضعف الإقبال على مهنته إلا أن زبائنه القدامى ما زالوا يترددون عليه لأنهم يثقون فى المنتج الذى يقوم بصناعته يدويا .
ويؤكد الحداد، أن المنزل القديم الذى خصص منه جزء للكور هو من أقدم المنازل بالقرية والذى جرى بنائه بالخشب والطوب اللبن وتم تصميمه بنظام السقائف وتصميم لوحاتى القديمة وما زال يعتز به ويقضى أغلب الوقت فيه للعمل فهو يعشق تلك المهنة ويتمنى ألا تنقرض .
ويعانى الحاج حسين ونجله من كساد بضاعتهم بسبب عدم الإقبال عليها إلا أنهم يرضون بالقليل ولا يطالبون الفلاح بتكلفة معينة ولكن على قدر المستطاع لديه، وفى حال تصنيع أدوات بالطلب وتستغرق وقتا محددا يتم تقدير سعرها وفقا لحجم التعب والتكلفة التى إستغرقتها تلك الأدوات ورغم ذلك لا يغالون فى الأسعار لأنهم يعملون هذا العمل بحب ورضا تام .
ومن جانبه قال ناصر حسين الحداد، نجل العم حسين، أنه تعلم تلك الحرفة من والده رغم أنه حاصل على شهادة الثانوية الأزهرية ولكنه لم يكمل دراسته واكتفى بالعمل داخل هذا الكور، حيث يقوم بمساعدة والده وخاصة بعد تعرضة للإصابة مؤخرا، مشيرا إلى أن قطعة الحديد التى يتم تطويعها وصناعتها على شكل فأس تستغرق حوالى نصف ساعة على النار لحين تجهيزها وتمر بحوالى 4 مراحل لحين الإنتهاء من صناعتها وتعتمد كليا على النار والطرق بالمطرقة بنظام محدد.
وأضاف ناصر الحداد، أن صناعة الأدوات يدويا يمثل جودة علية ويكسبها صلابة وقوة وهى أدوات يعتمد عليها الفلاح كليا فى عمله، وبالتالى يجب أن تكون على قدر كبير من التحمل حيث يتم إختيار مواد خام تتميز بالصلابة الشديدة ويتم تطويعها وقصها والطرق عليها بطرق معينة لإنتاج الأشكال المطلوبة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة