خطوات عدة، تتخذها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لرأب الصدع، الذى أحدثه سلفه، فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، أبرزها التنسيق مع الحلفاء، في أوروبا الغربية، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، والذى سبق وأن انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو 2018، بالإضافة إلى محاولات التواصل مع النظام الإيراني عبر الوسطاء، سواء للعودة إلى الاتفاق، والذى أبرمته إدارة أوباما، والتي كان بايدن جزء منها، أو الوصول إلى اتفاق جديد، وهو الأمر الذى يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن يمكنها تحقيق اختراق كبير في هذا الملف الشائك، أم أن خيار العودة يبقى صعبا في ضوء المعطيات الراهنة، سواء على مستوى الداخل الأمريكي، من جانب، أو من الناحية الإيرانية من جانب أخر، أو المستجدات الدولية والعلاقة بين أمريكا وحلفائها من جانب ثالث.
ولعل العودة إلى اتفاق مع طهران، سواء عبر الصيغة القديمة الموقعة في يوليو 2015 أو من خلال ميثاق جديد، تحمل في طياتها أعباء كبيرة، ربما أبرزها الإرث الذى تركه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى تبنى نهجا عدوانيا تجاه طهران، عبر الانسحاب من اتفاق أوباما أولا، ثم بعد ذلك العودة إلى دبلوماسية العقوبات، والتي ساهمت إلى حد كبير في حالة من الانهيار الاقتصادى، التي عانت منها طهران، في السنوات الماضية، مما قوض نفوذها إلى حد كبير، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يساهم في حالة من انعدام الثقة لدى الجانب الإيراني تجاه واشنطن من جانب، بالإضافة إلى إضفاء أعباء جديدة على كاهل بايدن وإدارته عند التعامل مع هذا الملف، في ضوء مستجداته، والتي لم تعد تقتصر في أبعادها على النطاق الدبلوماسي الخالص، وإنما باتت تحمل في طياتها اعتبارات داخلية لا يمكن تجاهلها في المرحلة المقبلة.
طريق "ماراثونى".. اتفاقات "خلف الكواليس" تمهد طريق العودة لإيران
فلو نظرنا إلى البعد الدبلوماسي، يبدو أن ثمة اختلافا جوهريا بالظروف التي أحاطت بإدارة أوباما عند توقيعها اتفاق يوليو 2015، بين طهران والقوى الدولية الكبرى، من جانب، والمستجدات التى طرأت على الملف في المرحلة الحالية، والتي ينبغي على إدارة بايدن التعامل معها إذا ما أراد الوصول إلى اتفاق مع طهران من جانب أخر، حيث تبقى المهمة في هذه المرة أكثر صعوبة، إذا ما قورنت بالاتقاق الأول في ظل تعددية الأطراف التي ينبغي التفاوض معها للوصول إلى أرضية مشتركة.
أوباما وبايدن
اتفاق أوباما مع طهران، كان في جوهره، بين طرفين، أولهما إيران، باعتبارها القوى النووية، والتي تمثل خطورة بالغة حال استمرار نشاطها النووي، بينما كان الطرف الأخر، هو القوى الدولية الكبرى، بقيادة أمريكا، على اعتبار أن الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى روسيا والصين، كانوا يحملون نفس الهدف، في إطار حالة من الثقة المتبادلة، من جانب أخر، وهو ما ساهم في زيادة مصداقية الجانب الأمريكي أمام الخصم الإيراني، في ظل وجود ما يمكننا تسميتهم بـ"الأطراف الضامنة" لواشنطن سواء من أوروبا الغربية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، وهى الدول الحليفة لواشنطن، أو من حلفاء طهران (الصين وروسيا)، مما أضفى قدرا من المصداقية لأوباما، ساهمت في إنجاز الاتفاق.
بينما يبقى طريق العودة إلى الاتفاق، أو حتى إبرام اتفاق جديد، مع طهران، "مارثونيا" بصورة غير مسبوقة، يحتاج إلى محطات طويلة من التفاوض، ربما تكون إيران هي آخرها، في ظل تعدد الأطراف، فالتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، يحتاج أولا إلى تنسيق بين واشنطن وحلفائها في أوروبا الغربية، في ظل انهيار الثقة، إثر سياسات الإدارة السابقة، والتى شهدت تخليا صريحا من قبل الإدارة السابقة، عن الحلفاء، عبر السياسات الأحادية في العديد من القضايا الدولية، التي تجاهل فيها ترامب مصالحهم، وفى القلب منها قرار الانسحاب من الاتفاقية النووية، والذى تم دون تنسيق مع الدول الأخرى المشاركة في الاتفاقية.
ولا تقتصر حاجة واشنطن إلى التفاوض مع الحلفاء، وإنما تمتد إلى استعادة ثقة الخصوم، وهما روسيا والصين، على اعتبار أن وجودهما في أي اتفاق مع طهران، أمرا حيويا، لا يمكن تجاوزه، وهو ما يمثل تحديا أخر لإدارة بايدن في ظل النهج العدائى الأمريكي تجاه بكين وموسكو، خلال السنوات الماضية، بينما لم تتخذ الإدارة الجديدة أي خطوة جديدة من شأنها رأب الصدع في هذا الإطار، وهو ما يعنى أن الاتفاق مع إيران يحتاج أولا اتفاقات أخرى خلف الكواليس، وربما ضمانات، للتأكد من مصداقية الجانب الأمريكي قبل التوقيع على الاتفاق المنشود مع طهران.
مزيد من القيود.. الملف النووي ليس قضية التفاوض الوحيدة
إلا أن أطراف الاتفاق الجديد، ليست المعضلة الوحيدة في طريق بايدن، فهناك قضايا أكثر تعقيدا، أبرزها بنود التفاوض بين واشنطن وطهران، في ظل الأنشطة التي مارستها الدولة الفارسية في السنوات الأخيرة، والتي لا تقتصر على الملف النووي، والذى كان موضوع الاتفاقية الأولى، حيث تطفو على السطح العديد من القضايا الأخرى، تتعلق بملفات شائكة، منها إنتاج الصواريخ الباليستية، والدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن مسألة أمن دول الجوار وهى الأمور التي وضعها ترامب كشروط رئيسية لإبرام اتفاق جديد مع طهران، بينما أكد عليها عدة مسئولين أمريكيين، في الآونة الأخيرة.
وهنا تتجلى حاجة إدارة بايدن الملحة إلى وضع المزيد من القيود على الجانب الإيراني في المرحلة المقبلة، لتحقيق قدر من الإجماع الدولى، على الاتفاقية، عكس إدارة أوباما، والتي تجاهلت العديد من المخاوف، خاصة المتعلقة بالقوى الإقليمية في الشرق الأوسط، والتي ارتبطت بالسياسات الإيرانية، وهو الأمر الذى ركز عليه خطاب ترامب في السنوات الماضية.
دبلوماسية ذات بعد داخلى.. استنساخ سياسة ترامب حول السجناء
ولكن بعيدا عن المستجدات الدولية التي تشهدها المسألة الإيرانية، أصبح الداخل الأمريكي جزءً لا يتجزأ من القضية الدولية، على عكس ما شهدته إدارة أوباما، حيث ارتبط الداخل الأمريكي بالدبلوماسية التي تتبناها واشنطن، في إطار النهج الذى تبناه ترامب، وهو ما بدا واضحا، على سبيل المثال، في اشتراط الإدارة السابقة على إطلاق سراح السجناء الأمريكيين فى كوريا الشمالية، قبل الجلوس على مائدة التفاوض مع زعيمها كيم جونج أون في إطار السياسة التي خلقت ارتباطا وثيقا بين المواطن في الداخل والسياسة الخارجية الأمريكية.
وهنا يمكن تفسير الحديث الذى أطلقته واشنطن حول ضرورة إطلاق سراح السجناء الأمريكيين القابعين في سجون طهران، في محاولة لاستنساخ سياسة ترامب، والتي ساهمت بصورة كبيرة في زيادة شعبيته في الداخل خلال السنوات الماضية، إلا أن تجاهل واشنطن لسجناء الدول الأخرى، وعلى رأسها الحلفاء في أوروبا الغربية، في السجون الإيرانية يقدم بعدا جديدا للتحديات التي تواجهها واشنطن، حيث يراها البعض امتدادا لاستراتيجية "أمريكا أولا" والتي أثارت غضب الحلفاء بصورة كبيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة