تستعيد رواية "قارئة القطار" التى صدرت للروائى إبراهيم فرغلى، مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية من جديد أسئلة الهوية والذاكرة وعلاقة الإنسان بجذوره، حيث تسعى الرواية عبرحكاية غرائبية مشوقة لاستعادة أجواء الثورة العرابية، حيث وجدت مصر نفسها فى الربع الأخيرمن القرن الـ 19عند مفترق طريق.
قارئة القطار
وفى الرواية، لا يختلف مصير الوطن عن مصائر أبطاله، فكما كان الاحتلال الإنجليزى للبلاد أشبه بتغريبة طويلة عاشتها مصر، فإن محمود الوهم وفاطمة بطلى قصة الحب فى الرواية يعيشان تغريبه من نوع مختلف عندما يأتى الاحتلال ويصل آمالهما فى النهوض من كبوة الفقر والتحرر من واقعهما المكبل بالتقاليد الى محطة الخذلان والأسى وهى المحطة نفسها التى انتهى عندها أمل أحمد عرابى.
ويكمل فرغلى فى روايته الجديدة مشروعه الإبداعى الذى ركز فى السنوات الأخيرة على العوالم الغرائبية التى قاربها فى "معبد أنامل الحرير" دون أن يتخلى عن انشغاله بموضوع الذاكرة كما تجلى فى روايته "أبناء الجبلاوى" أو سؤال الهوية الذى طرحه فى روايته "جنية فى قارورة"، لكن ما يتجلى فى الرواية الجديدة يمضى خطوة أبعد فى تبنى اختيار أسلوبى جديد يقوم على استثمار الأجواء الكافكاوية وتقنيات السرد الغرائبى كما نعرفها عند الكاتب الأرجنتينى بورخيس وفى تراث "ألف ليلة وليلة" ليقدم رواية تتسم بالتشويق والمغامرة والانتقال السلس بين مسارين سرديين .
يركز المسار الأول على البطل الذى يسعى اللحاق بالقطار قبل أن يفقد ذاكرته، وداخل عربات القطار يكتشف أنه تورط فى عالم مغلق لا يملك حتى حق الفرار منه، ويجد نفسه فى مواجهة قارئة لها ملامح غريبة تدعى "زرقاء" تمسك بكتاب تقرأ فيه ولا تغادر مكانها أبدًا فى قطار يخلو من المسافرين.
وتخبره القارئة أنها تقرأه كى لا يتوقف القطار وأن عملها الوحيد منع القطار عن التوقف، وعبر حواراتهما معًا تروى "قارئة القطار" للراكب قصته الشخصية التى نسيها، ليقف القارئ أمام لغز آخر من شقيقتها "ذكرى" التى تختفى فجأة لتزيد من ألغاز القارئ، أما المسار الثانى فيتعلق بحكاية محمود الوهم وفاطمة اللذين التقيا بالأقصر على مركب كان فى طريقه للقاهرة، وجمعت بينهما قصة حب لم تكتمل صاغت لهم تغريبة المصير المشترك فى لحظة كانت تزدهر فيها آمال الثورة.
وعبر صفحات الرواية يدرك القارئ أنه أمام سردية تؤرخ لنوع من القهر تعرض له المصريون الفقراء وسبيكة تاريخية تربط بين مصائر الأفراد بحركة التاريخ العام، وتحتفى الرواية بالمعرفة، وتحتفل بلعبة الحواس.
وإبراهيم فرغلي، يعيش فى الكويت منذ 15 عامًا وعمل صحفيا بجريدة (الأهرام)، ومجلة العربى الكويتية، و نشر له عدد من الروايات والمجموعات القصصية من بينها روايات "كهف الفراشات، وثلاثية روائية بعنوان جزيرة الورد تضم روايات: ابتسامات القديسين، وجنية فى قارورة، ومفتاح الحياة، ثم أبناء الجبلاوي، ومعبد آنامل الحرير"، وثلاث مجموعات قصصية: "باتجاه المآقي، أشباح الحواس، شامات الحسن"، وفى مجال الكتابة للأطفال والناشئة: ثلاث روايات للفتيان، ونال جائزة ساويرس الأدبية فئة كبار الكتاب لدورتين كما رشحت روايته "معبد أنامل الحرير" ضمن اللائحة الطويلة لجائزة البوكر العربية دورة العام 2015 / 2016، وترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة