إذا كنت تهتم بصناعة التكنولوجيا على الإطلاق، فسيكون من الصعب تفويت المعركة بين فيس بوك وأبل حول تحديث البرامج الذى انتهجته شركة "أبل مؤخرا"، حيث سيتطلب التحديث، المعروف باسم شفافية تتبع التطبيقات "App Tracking Transparency"، من مطورى التطبيقات طلب إذن قبل أن يتمكنوا من تتبع المستخدمين.
ومن الواضح أن فيس بوك ليس معجبًا بهذه الخطوة، ويرجع ذلك فى الغالب إلى التأثير الحقيقى جدًا الذى يمكن أن يحدثه على نشاطه الإعلانى، والذى يعتمد بالكامل على تتبع معلوماتك الشخصية ثم تحقيق الدخل منها.
صراع أبل وفيس بوك
فى الأسبوع الماضى، عندما أعلن فيس بوك عن أرباحه الفصلية، أنتقد مارك زوكربيرج شركة أبل، وقال: "نحن نرى أبل بشكل متزايد كواحدة من أكبر منافسينا"، "لدى أبل كل الحافز لاستخدام موقعها المهيمن على النظام الأساسى للتدخل فى كيفية عمل تطبيقاتنا وتطبيقاتنا الأخرى، وهو ما يفعلونه بانتظام، ويقولون إنهم يفعلون ذلك لمساعدة الناس، لكن الحركات تتبع بوضوح اهتماماتهم التنافسية."
وفى اليوم التالى، ألقى تيم كوك خطابًا أمام "المؤتمر الأوروبى لأجهزة الكمبيوتر والخصوصية وحماية البيانات"، قائلاً إن "التكنولوجيا لا تحتاج إلى مجموعات ضخمة من البيانات الشخصية، مجمعة معًا عبر عشرات المواقع والتطبيقات، من أجل تحقيق النجاح"، وبينما لم يذكر كوك فيس بوك بالاسم، كان من الواضح إلى أين تم توجيه تعليقاته.
وقال كوك: "إذا كان العمل التجارى مبنيًا على تضليل المستخدمين، أو على استغلال البيانات، أو على اختيارات ليست اختيارات على الإطلاق، فإنه لا يستحق ثناءنا"، "إنه يستحق الإصلاح".
تضارب مصالح أبل
لكن رغم تصريحات أبل التى تبدو فى صالح الجمهور، هناك مشكلة واحدة فقط، حيث يوجد فى الواقع تهديد أكبر بكثير لخصوصيتك على أيفون، وهو تهديد قامت شركة أبل ببنائه، فعلى مدار سنوات، أبرمت شركة أبل صفقة مع جوجل لجعل محرك البحث الخاص بها هو الخيار الافتراضى فى Safari، وفى المقابل، تدفع جوجل لشركة أبل ما بين 10 و 15 مليار دولار سنويًا - وهذا على الأقل وفقًا لدعوى وزارة العدل المرفوعة ضد شركة البحث العملاقة فى أكتوبر.
ومن الصعب التوفيق بين انتقادات أبل لفيس بوك وحقيقة أن أبل تحصل على الكثير من الأموال من جوجل، لنفترض أن الرقم الفعلى الذى تحصل عليه أبل من جوجل هو حوالى 12.5 مليار دولار، فسيمثل هذا ما يقرب من خمس إجمالى أرباح أبل لعام كامل، وفى الواقع، من بعض النواحى، هو أكثر أهمية من ذلك لأن هذا المال هو كل الربح، فلا توجد تكلفة على أبل حرفيًا لجعل جوجل هو محرك البحث الافتراضى على سفاري.
وفى هذا الصدد، تستفيد أبل من فيس بوك أيضًا، حيث أن شبكة Audience Network على فيس بوك هى الأكثر عرضة للتغييرات القادمة فى نظام iOS - الخدمة الإعلانية التى تُستخدم عادةً لإعلانات تثبيت التطبيق، مما يعنى أن التطبيق قد يعرض إعلانًا عن لعبة أو تطبيقات أخرى، ويستخدم فيس بوك التتبع لقياس الإسناد حتى يعرف المطورين أن عرض إعلان معين أدى إلى تحويل.
كذلك فإن الشيء هو أنه عندما ينقر المستخدم على إعلان ويقوم بتنزيل تطبيق، يكون ذلك من متجر تطبيقات أبل، ونتيجة لذلك، تستفيد أبل مالياً من Audience Network لأنها تقوم بمهمة تشجيع المستخدمين على تنزيل المزيد من التطبيقات، فإذا كانت تلك التطبيقات تفرض رسومًا أو تقدم اشتراكًا، فإن أبل تحصل على عمولة بنسبة 15 أو 30٪.
تعقب المستخدمين
ولا تتعقبك شبكة أبل الإعلانية الخاصة بك عبر الويب، ولكنها لا تخضع لنفس القيود على التتبع لغرض الإسناد، كما أنه لا يتعين عليه طلب إذن لتتبع الإحالة بالطريقة التى يقوم بها المطورون الآخرين، ولهذا الأمر، فإن الإعداد الخاص بتعطيل "الإعلانات المخصصة" داخل App Store و Apple News (المكانان اللذان تقدم فيهما أبل الإعلانات) مدفون فى لوحة الإعدادات المنفصلة الخاصة به.
أبل تتفوق على منافسيها لحماية خصوصية مستخدميها
لا يتتبع المستخدمين عبر التطبيقات أو مواقع الويب المختلفة، حيث تستخدم إعلاناتها معرّفًا عشوائيًا غير مرتبط بك أو بمعرف أبل الخاص بك، وفى الواقع، لا تجمع أبل سوى الحد الأدنى من البيانات المطلوبة لأداء مهمة ما، وفى معظم الحالات، تعالج هذه المهام على الجهاز، مما يعنى أن بياناتك لا يتم إرسالها إلى خوادم أبل.
فإذا كنت تستخدم تطبيق الطقس من أبل، على سبيل المثال، فسيستخدم موقعك التقريبى فقط لأن هذا كل ما هو مطلوب لتزويدك بالتنبؤ، ولا يخزن هذه المعلومات فى ملف تعريف، ولا يخزن إصدار الخرائط من أبل سجل موقعك، على عكس جوجل.
وبالإضافة إلى ذلك، يحظر Safari ملفات تعريف الارتباط للجهات الخارجية وبصمات الجهاز افتراضيًا، ومع ذلك، ففى حالة جوجل، هذا ليس مهمًا حقًا، فلا يحتاج إلى متتبعين تابعين لجهات خارجية لمعرفة ما تفعله على موقع الويب الخاص به، لا سيما بالنظر إلى أن معظم الأشخاص قاموا بتسجيل الدخول إلى جوجل على أى حال، لذلك فهو يعرف بالفعل من أنت بالضبط.
وعلى الرغم من أن التزام أبل الصريح بالخصوصية أمر مثير للإعجاب بالتأكيد، فلا يمكن أن يكون لديك أرضية أخلاقية عالية بينما تستفيد مالياً من نموذج العمل الذى تدعى أنه يأخذ الأرض المنخفضة.
لا يكفى أن تبنى خدماتك الخاصة بطريقة تحمى خصوصية المستخدمين
المشكلة بالنسبة لشركة أبل هى أنها لا تدعى الخصوصية فقط كنقطة تسويق، حيث تدعى أنها قيمة أساسية، معتقدة أن الخصوصية هى "حق أساسى من حقوق الإنسان"، وإذا كنت تعتقد حقًا أنه لا يمكنك توجيه حركة المرور إلى خدمة تتعقب حرفياً ثلثى كل ما يحدث على الإنترنت، فليس هناك قدر من المنفعة المالية التى تجعل ذلك جيدًا، على الأقل إذا كنت تؤمن حقًا بما تقوله.
ومن بعض النواحى، يمكنك القول إن تضارب مصالح أبل فيما يتعلق بالخصوصية أسوأ من فيس بوك أو جوجل، حيث يفضل فيس بوك حقًا ألا تفكر فى مقدار تتبعه لما تفعله عبر الإنترنت، ولكنه على الأقل صريح بشأن اعتقاده بأن الإعلان المخصص له فائدة للمستهلكين من حيث أنه يسمح للشركة بجعل خدمتها مجانية للمستخدمين، حيث أن فيس بوك لا يتظاهر بأنه يقدر خصوصيتك على أرباحه الخاصة، إنه شفاف جدًا حول مكانه.
كذلك ينطبق الأمر نفسه فى الغالب على جوجل، على الرغم من أن عملاق البحث قد قام بالفعل بعمل جيد نسبيًا فى تسهيل التحكم فى البيانات التى يمكنه استخدامها والسماح للمستخدمين بحذف المعلومات التى يخزنها عنهم، فعلى سبيل المثال، قدمت جوجل العام الماضى ميزات داخل مساعد جوجل بحيث يمكنك حذف جميع أنشطتك من ذلك اليوم أو الأسبوع أو فترة زمنية معينة بمجرد السؤال.
ويمكنك أيضًا التحكم فى إعدادات الخصوصية الخاصة بك وحذف معلوماتك الشخصية تلقائيًا، وفى الواقع، بشكل افتراضى، ستحذف جوجل الآن معلوماتك بعد 18 شهرًا، على الرغم من أنه يمكنك تعيين ذلك على ثلاثة أشهر إذا كنت تفضل ذلك.
من منظور الأعمال فقط، فإن الفوائد التى تحصل عليها أبل من كل من إعلانات تثبيت التطبيقات على فيس بوك وصفقة وضع البحث الافتراضية مع جوجل تبدو منطقية تمامًا، ويبدو من العدل أنه إذا كانت الشركة تخطط لمطالبة الجميع بالشفافية بشأن موقفهم من تحقيق الدخل من بيانات المستخدم، فيجب على أبل أن تفعل الشيء نفسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة