ألقى الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، اليوم الأربعاء، الكلمة الرئيسة في "الاجتماع السنوي الثامن للفريق الاستشاري الإسلامي"، نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بمشاركة عدد من الشخصيات الدولية من السعودية والهند وباكستان والكويت وعمان والصومال، ومنظمة الصحة العالمية وممثلي اليونيسيف، ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدد من المنظمات والهيئات الدولية والإسلامية.
وأكد وكيل الأزهر أن الفريق الاستشاري الإسلامي بذل جهودا كبيرة خلال السنوات الماضية، وهذا الاجتماع وهذه الجهود تهدف إلى دعم جهود الحكومات والمجتمعات المحلية والآباء والأمهات في البلدان التي يتوطن فيها فيروس شلل الأطفال لوقف انتشار المرض والقضاء عليه، مضيفا أن وحي السماء نزل لإصلاح الأرض؛ فحمل في أصوله ما يصحح العقيدة والإيمان، وما يضبط حركة الإنسان، مع مراعاة معطيات الزمان والمكان.
وتابع أن من المقرر شرعا أن هذا الدين بني على اليسر ورفع الحرج، وأدلة ذلك غير منحصرة، فما افتتح الله كتابه إلا باسمه الرحمن الرحيم، وما أرسل رسوله إلا رحمة للعالمين، يقول الله -عز وجل- مخاطبا نبيه –صلى الله عليه وسلم-: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}} [سورة الأنبياء:107]. وما جاءت الأحكام إلا بمراعاة أحوال المكلفين، يقول تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ويقول جل جلاله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
وبين أن معطيات الواقع المتجددة تؤكد أن عالم اليوم لا يشبه عالم الأمس، وأنه لن يكون كعالم الغد، وانطلاقا من هذا التغيير المشهود يتعين على الفقيه الحقيقي أن يجعل الأحكام مستوعبة لهذه المستجدات بما يجمع بين نصوص الشريعة وروحها، وبما يضمن ثباتها ورسوخها، وبما يكشف عن سعتها ومرونتها كذلك، وإذا لم يكن الفقيه «ابن واقعه» فإنه سيصاب بالعزلة، ويصاب بها الفقه الذي يحمله، وربما كانت هذه المعاصرة أحد المداخل المهمة لعملية التجديد العقلي والفكري التي طالما نادى بها رجال الأزهر وعملوا عليها.
وأوضح وكيل الأزهر أن من الشائع في الناس أن الدين صالح لكل زمان ومكان وإنسان، وأن الشريعة بها من المرونة والسلاسة ما يجعلها متواكبة مع الظروف والمتغيرات كافة مهما كانت صعبة وعسيرة، ولقد أفرد العلماء قسما من الفقه للمستجدات، أسموه أحيانا: «فقه النوازل» أو «فتاوى النوازل»، وهي تلك التي تتعلق بما يمر به الناس من أحداث تحتاج إلى نظر فقهي جديد، وعقل فقهي متحرك، وقد ترجم هذا خلال أزمة فيروس «كورونا» الذي اجتاح العالم، ولم توقفه حدود ولا سدود، ولم تقم له جيوش ولا جنود، فبرز العقل الفقهي الذي استحضر مقاصد الشريعة وروحها وسعتها ليضبط حركة الناس بما يحفظ الحياة كلها، وهذا يؤكد مدى الحاجة إلى العلماء والفقهاء لكي يسدوا حاجة وقتهم بما يصلح من فتاوى تيسر عليهم حالة العسر، ولا تخرجهم عن حد الشريعة.
وأكد في كلمته نيابة عن الإمام الأكبر أن الجهات القادرة على الفتوى هي المؤسسات العلمية المتخصصة في العلم الشرعي، وأن المنتسبين إليها من رجال العلم والفقه والفتوى هم المعنيون بهذا الجانب متى رأوا أن المصلحة تقتضي ذلك، وقد وجه الله الأنظار إلى هذا المعنى في قوله سبحانه وتعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وكما أن الطب فن لا يتكلم فيه إلا الأطباء، فإن الفقه والأحكام الدينية فن لا يصح أن يتسور حماه إلا أهله، وأن فتاوى المجامع الفقهية تعد إجماعا معاصرا؛ ومثلها الفتاوى التي تصدر من جهات مسئولة، فهي محاولة لإعمال أدلة الشريعة وأحكامها في أوضاع العصر وتغيراته، ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن ينصب للناس دليلا شرعيا لم يأذن به الله -عز وجل- ولا أن يلزمهم بما لم يلزمهم الله به.
وأوضح وكيل الأزهر أن دور العلماء والمجامع الفقهية ودور الإفتاء يبرز في البحث عن أحكام الفرعيات التي تتجدد مع مرور الزمن، حتى صار من واجبات البحث العلمي أن يحرص الباحثون على كل جديد، فإن الأحكام ثابتة والمستجدات لا تتناهى، والنظر والتفكر لا أمد له، مجددا الدعوة للآباء والأمهات وأولياء أمور الأطفال في جميع أنحاء المعمورة إلى الاستجابة لتلك الحملات، والمبادرة بتطعيم أبنائهم وبناتهم باللقاحات المضادة لمرض شلل الأطفال، حيث ثبتت أهمية هذا التطعيم في تجنيبهم -بفضل من الله ونعمة- شرور هذا المرض العضال الذي لا دواء له، بل ويتسبب في عاهات وإعاقات دائمة تلازم المريض طول حياته وتقطف بهجتها، وهو واجب شرعي وأمانة في أعناق أولياء أمور الأطفال يتحملون وزر التفريط فيها، وأنَّى تكون الأمة قوية وقد أصاب أبناءها أمراض تعوق حركتهم، وتقعد بهم عن السعي؟!
وأكد خلال كلمته عددا من النقاط المهمة في هذا الشأن:
- أن قضية التطعيمات قضية أمة يجب أن توضع في أولى أولويات الدول التي تسعى لمستقبل واعد لأبنائها.
- وأن مؤسسة الأزهر الشريف تثق ثقة تامة في مأمونية كل التطعيمات الروتينية للأطفال وفاعليتها باعتبارها وسيلة من وسائل الوقاية وإنقاذ الأرواح التي تحمي الأطفال.
- وأن مسئولية مواجهة انتشار الشائعات والمفاهيم المغلوطة التي تؤدي إلى رفض بعض الأسر تطعيم أبنائهم، مسئولية مجتمعية يجب أن تشارك فيها كافة المؤسسات وخاصة الإعلامية والدينية والصحية، ويجب أن تتضافر جهود علماء الدين والمتخصصين في نشر الوعي الفكري والديني لدي هؤلاء الرافضين، باستخدام كافة وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة في تلك الدول.
- وأن دعم الجهود التي تبذلها الحكومات والمجتمعات المحلية والآباء والأمهات في البلدان التي يتوطن فيها فيروس شلل الأطفال لوقف انتشار المرض، ودعوة الحكومات إلى مواصلة التزامها بتنفيذ خطط عمل وطنية عاجلة ومنسقة للطوارئ ضرورة ملحة.
- وأن الأزهر الشريف يبارك ما قرره الفريق الاستشاري الإسلامي من قبل من محاربة عدم التطعيم ضد الأوبئة الأخرى التي تجد على الساحة، وكذلك دعم وتعزيز صحة الأمهات والأطفال في العالم الإسلامي والعالم أجمع.
- ويحمد الأزهر للفريق الاستشاري جهوده وأنشطته في مكافحة جائحة «كورونا» التي ساعدت في الحد من انتشار هذا الوباء والتصدي للشائعات التي تخالف أحكام الشريعة في هذا المجال.
وأشار وكيل الأزهر إلى إيمان مؤسسة العريقة بالمسئولية الملقاة على عاتقه يفتح أبوابه لتدريب الأئمة والمتخصصين وتوجيههم فكريا ومعنويا من أجل تحقيق الهدف الذي نسعى إليه جميعا في مواجهة الشائعات والفتاوى المضللة التي لا تهدف إلا لتدمير البلاد وتخريب عقول العباد وتدمير مستقبل الأطفال والشباب، وفي سبيل ذلك عقد الأزهر الشريف دورات تدريبية شملت أبناء العالم الإسلامي من مصر ومن خارجها، فمن مصر تلقى الأئمة والوعاظ والواعظات برامج تدريبية؛ للتوعية بأهمية التطعيم ضد الأمراض، ومن خارج مصر نشر الأزهر فكره التوعوي في طلاب باكستان وأفغانستان ونيجيريا واليمن، وكذلك شمل التدريب السادة أعضاء هيئة التدريس في جامعتي مقديشو بالصومال، وكمابالا بأوغندا.
وفي ختام كلمته نيابة عن الإمام الأكبر جدد وكيل الأزهر التزام مؤسسة الأزهر تجاه المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، باعتباره ملمحا تحض عليه الشريعة، ولا تستغني عنه الأمة في سبيل تحقيق ريادتها، وإذا كانت جهود الفريق الاستشاري قد آتت أكلها من خلال شراكة نموذجية وعمل جماعي فإننا نلتمس من خلال هذه اللقاءات من جميع الشركاء والمعنيين بذل المزيد من الجهد لمواجهة التحديات التي تعوق القضاء على شلل الأطفال وعلى غيره من الأمراض، ونلتمس كذلك أن يتسع نطاق العمل المشترك ليشمل الاستثمار في صحة الإنسان عامة ليكون خيرا مما هو عليه، ناقلا دعوات فضيلة الإمام الأكبر بأن يكلل الله هذه الجهود بالتوفيق والسداد من أجل خدمة الإنسانية وحفظ النفس البشرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة