كانت الساعة الحادية عشرة صباح 4 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1954 حين نطقت «محكمة الشعب» حكمها بإعدام «محمود عبداللطيف» عضو جماعة الإخوان المتهم بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر، بإطلاق ثمانى رصاصات عليه أثناء خطابه بميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر، 1954، وفى نفس اليوم «4 ديسمبر 1954» صدق مجلس قيادة الثورة على الحكم، وفقا للجزء الأول «ست أجزاء» لمضابط جلسات المحاكمة، إعداد «كمال كيرة».
كان قائد الجناح «جمال سالم»، رئيسا للمحكمة التى بدأت جلساتها فى 9 نوفمبر 1954، ووفقا لمضبطة الجلسة الأولى، اعترف «عبداللطيف» بأنه «مذنب»، وسأله رئيس المحكمة: «عاوز حد يدافع عنك؟.. فرد بالموافقة واقترح ثلاثة من كبار المحامين هم محمود سليمان غنام، أو مكرم عبيد، أو فتحى سلامة، لكن الثلاثة رفضوا وأخطروا المحكمة بذلك.. قال «غنام»: «لا أوافق إطلاقا على الدفاع عن محمود عبداللطيف لأنى أستنكر كل الاستنكار لهذه الجريمة، وقلبنا وطنيا معكم، ولا أستطيع بأى حال من الأحوال تولى هذه المهمة والدفاع عن مجرم».. وقال «مكرم عبيد»: «هذا غريب وأنا فى حياتى لم أر هذا المتهم، ولا هو رآنى، وأنا لا أستطيع الدفاع عن من يعتدى على جمال عبدالناصر.. ماذا بقى بعد ذلك؟.. هذا أمر خطير أنا لا أمانع إذا كانت هذه جريمة قتل عادية، ولكن هذه جريمة موجهة إلى قلب الوطن».. وقال «فتحى سلامة»: «أنا أرفض الدفاع عن المجرم لسببين: أولا لأنى محام ولى شعور وطنى.. ثانيا لأنى أحتقر هذا المجرم، فكيف أدافع عنه وأنا لا يمكننى أن أترافع فى هذه الدعوى، لأن الاعتداء وقع على منقذ البلاد وزعيم نهضة مصر، وإذا فرض وأرغمت على الحضور فإنى أنضم إلى الادعاء فى طلب إعدام المتهم».
تذكر «مضبطة الجلسة» أنه أمام رفض هؤلاء الثلاثة، قررت المحكمة بعد ذلك انتداب المحامى «حمادة الناحل»، للدفاع عن المتهم، وقال أمام المحكمة إن محمود عبداللطيف مجنون، وأنه يطالب بإحالته إلى الطب الشرعى لإثبات هذا الجنون، واعترض الادعاء على هذا الطلب ورفضته المحكمة.
كان محمود عبداللطيف، عمره 35 عاما ، ويعمل سمكرى فى إمبابة، ويسكن فى غرفة فوق السطوح مع زوجته وأولاده الثلاثة، ودرس أربع سنوات ابتدائية فى القسم الليلى، واعترف فى تحقيقات النيابة وأمام المحكمة بأنه انضم لجماعة الإخوان فى سنة 1943، والتحق بالجهاز السرى قبل أربعة شهور من تنفيذه لمحاولة الاغتيال، وكان عضوا فى الخلية السرية مع «هنداوى دوير» و«سعد حجاج»، وكان يعرف «هنداوى» من 1951، وكشف: «كنت أجتمع بمنزل «هنداوى» أسبوعيا كل يوم اثنين لمدة نصف ساعة، ومعنا سعد حجاج لحفظ القرآن ودراسة السيرة «والجهاد فى سبيل الله».. أضاف : «قبل الحادث بأسبوع أخبرنى هنداوى بالاتفاقية بين مصر وإنجلترا «اتفاقية الجلاء وتم توقيعها فى 19 أكتوبر 1954»، وأفهمنى أنها غلط وخيانة فى حق البلد، وأعطت للإنجليز كل حاجة، وأن الإنجليز سيخرجون من مصر بعد سنة 1956 من تلقاء أنفسهم، وأن قتل جمال عبدالناصر باعتباره عدو الإسلام يعتبر جهادا فى سبيل الله والإسلام، ودلل على ذلك ببعض الآيات القرآنية».
كشف «عبداللطيف»: «اتفقنا نحن الثلاثة، أنا وهنداوى، وسعد حجاج على أن كل من تتاح له الفرصة لاغتيال جمال عبدالناصر ينفذ فى الحال».. أضاف: «قبل الحادث بيومين توجهت إلى منزل هنداوى الساعة 12 ونصف ليلا، وأخبرته بأنى سأسافر الإسكندرية لأنفذ الخطة فى اجتماع الرئيس هناك، وكنت علمت بسفر الرئيس من الجرائد، فعرض علىّ هنداوى الحزام الناسف، ولكنى رفضت، فأعطانى مسدسا و15 طلقة و2 جنيه، وقال لى: على بركة الله».
قال: «مريت فى صباح يوم سفرى للإسكندرية على منزل سعد حجاج، وأخبرته بأنى مسافر فأبدى أسفه لعدم إحضاره سلاحه ليتوجه معه».. أضاف : «سافرت إلى الإسكندرية، وتوجهت إلى «محرم بك»، وتمشيت شوية ودخلت مطعم واتغديت ورحت لوكاندة «دار السعادة»، وأخذت حجرة خاصة وغيرت ملابسى، وفى الساعة 4 وربع مساء توجهت إلى ميدان المحطة، ووجدت جماعة متظاهرين متوجهين إلى ميدان المنشية فانضممت إليهم، وأفهمنى هنداوى أن الحرس هيقتلنى بعد إطلاقى الرصاص على الرئيس جمال عبدالناصر».
كشف أنه تعرف بإبراهيم الطيب عند هنداوى دوير، وطلب إليه إبراهيم دراسة بيت القائمقام أنور السادات، وجريدة الجمهورية لترتيب اغتياله، فذهب إلى البيت والجريدة، وانتهى الأمر على التنفيذ بالجريدة، ولكن قال له انتظر حتى تصدر الأوامر، ولم تصدر الأوامر، ولما سئل عن سبب اعتزام قتل السادات، أجاب أنه لا يعرف السبب ثم عاد، وقال إنه قد حارب الإسلام فى مقال من مقالاته، وإن هنداوى أفهمه أن الإسلام يبيح القتل.
وتواصلت اعترافاته
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة