تنتشر أخبار الجريمة عبر وسائل الإعلام بصورة غير مسبوقة، حتى صارت تؤثر في المزاج العام، وسرعان ما تتحول إلى "تريند"، يتداول أخباره الجميع، وتُروى قصته في مختلف المحافظات، فالكل يرغب في معرفة تفاصيل الزوج القاتل، والزوجة الخائنة، والبنت المنتحرة، وهكذا جرائم فردية ومحدودة يتم تصويرها باعتبارها ظواهر اجتماعية، في حين أن مجتمع الـ 100 مليون لا يمكن أن يخضع لهذه القياسات المحدودة.
أتصور أن المجتمع المصري مازال أكثر المجتمعات أماناً، حتى وإن ظهرت خلال الفترة الماضية نوعيات معينة من الجرائم الغريبة على عاداتنا وتقاليدنا، ولو كنا نتابع وسائل الإعلام في أكبر وأهم دول العالم، سنجد دائماً نماذج من الجرائم أكثر بشاعة وقسوة من كل ما نسمع عنه في بلادنا، إلا أن ما يزيد من تأثير هذه الجرائم، ويجعلها محور اهتمام الناس، هو تسليط الضوء عليها، والاهتمام الإعلامي غير المسبوق بها، وحالة "الإجهاض على الهواء" التي خلقتها السوشيال ميديا خلال الوقت الراهن، فقد باتت فكرة "اللايف" حاضرة دائماً للأشخاص العاديين ووسائل الإعلام على حد سواء.
تفاعل المواطنين مع وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الموبايل الحديثة، والتصوير عالي الجودة، جعل الكل يمارسون دور الصحافة والإعلام، وهذا بدوره أسهم بصورة غير مسبوقة في تصوير الجرائم الموجودة في المجتمع منذ مئات السنين باعتبارها نماذج غير تقليدية وسوابق لم نشهدها من قبل، في حين أنها موجودة ومعروفة، إلا أن الزخم الإعلامي وتسليط الضوء على هذه الجرائم، حولها من دائرة المحلية، إلى فكرة "التريند" والانتشار، لتصبح حدث رئيسى تتناقله نشرات الأخبار ويتصدر عناوين الصحف.
لا يمكن أن نصنف جرائم القتل باعتبارها ظواهر اجتماعية، يمارسها كل الناس أو منتشرة بصورة تجعلنا نعيش في بيئة غير آمنة، فهذا كلام غير صحيح جملة وتفصيلاً، ويساق بطريقة تنال من قيم وتقاليد المجتمع، ويدعم صورة ذهنية سلبية عن المجتمع المصرى، الذي يعتبر أكثر المجتمعت أمانا في العالم، فالناس تتحرك وتسير في الشوارع ليلاً أو نهاراً، الكل آمن ومطمئن، والحالات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام أو من خلال التواصل الاجتماعى مازالت فردية، لا يمكن أن نعتبرها نموذجا للقياس عليه، فالجريمة موجودة في كل المجتمعات منذ بدء الخليقة، وارتبط وجودها بالعمران البشرى، لذلك يجب أن نفهم أن هذا المجتمع المزدحم الكبير، يمكن أن يحوى نماذج سلبية أو جرائم غريبة أو حالات عنف، لكنها لا تشكل نسب معتبرة أو مؤشرات مقلقة تؤثر على منظومة السلام الاجتماعى داخله.
أتمنى أن ترتفع مستويات الوعي عند تناول أخبار الجريمة في مختلف وسائل الإعلام، ونتعامل مع القضية بمنطق الحفاظ على حالة الهدوء والمحبة التي يجب أن تسود المجتمع، ونضع الأمور في نصابها الصحيح، دون تهوين أو تهويل، والفكرة هنا ليست المنع من النشر أو تجميد المعالجات لهذا النوع من القضايا، لكن التغطيات القائمة على الحقائق والأدلة، دون أن تحركها الدوافع العاطفية أو إثارة مشاعر الجماهير أو الترافيك الحرام..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة