اتجهت أنظار العالم في مشارق الأرض ومغاربها، مساء اليوم، إلى "طيبة" أرض الأجداد الذين أبهروا العالم بما صنعوه من حضارة شاملة، وأبهر الأحفاد في هذا اليوم العالم كله بما تم تقديمه في هذا الحفل الأسطوري الذي يشهد افتتاح طريق الكباش الرابط بين معبدي الكرنك والأقصر.
وفى هذا المناسبة لا يفوتنا أن نؤكد أن المصريون القدماء أول من قدسوا الحق، والعدالة، واحترام القانون، ورمزوا إلى كل ذلك بمعبودة تسمى الألهة "ماعت" إلهة الحق والعدل والنظام في الكون، والتي تمثل بهيئة سيدة تعلو رأسها ريشة النعام رمز العدالة، وفى الحقيقة لم تظهر مدونات تشريعية أو قانونية مفصلة في مصر، بل ظهرت وثائق قانونية وتشريعية ومراسيم ملكية قانونية.
كيف ساهم القانون في إرساء دعائم الحضارة المصرية؟
الوثائق شملت بنود ومواد عن البيع والشراء والتنازل والإيجار والزواج والطلاق، والواضح جليا أننا حينما نقرأ في التاريخ المصرى القديم نجد محاكمات تجري لشخصيات ملكية وغير ملكية وزوجات ملكيات لجرائم ارتكبنها، أو شخصيات مرتشية أو لصوص ارتكبوا سرقات كان معظمها لمقابر الملوك، إلا أن كل حالة كانت تبحث في إطار ظروفها.
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على القوانين والتشريعات لدى المصريين القدماء حيث أن مصر القديمة كان يحكمها الأخلاق والدين اللذان استطاع المصري القديم أن يبنى عليهما حضارته، فقد تناولت النصوص المصرية القديمة الضوء على مكانة الأخلاق ومكافحة الجريمة بعقوبات مختلفة كعنصرين أساسيين في جوهر حياة المصريين قديما، وشغلت مكارم الأخلاق حيزا كبيرا استند إلى خبرات وعادات اجتماعية متنوعة وممتدة عبر تاريخهم، في الوقت الذي نهض فيه الدين بدور بارز في تنظيم حياتهم في محيط الأسرة والمجتمع – بحسب منال محمود محمد، الباحثة في تاريخ مصر القديم، في دراسة متخصصة بعنوان " الجريمة والعقاب في مصر القديمة" ضمن دراسات وزارة الآثار المصرية.
المشرع المصرى القديم قسم الجريمة لـ 3 أقسام
اختلفت رؤية المصري القديم بشأن انتهاك الحقوق، واعتبره ضربا من ضروب خرق للأعراف الأخلاقية، ومن هنا بدأ المصري القديم تقسيم الجريمة في مصر القديمة إلى 3 أقسام:
1- جرائم تُرتكب "بحق المجتمع" الذي يعيش فيه الانسان، كالقتل والزنا وسرقة ممتلكات الأفراد.
2- جرائم أخرى تُرتكب "بحق الدولة"، كالرشوة والخيانة العظمى وسرقة الممتلكات العامة.
3- وأخيرا جرائم تُرتكب "بحق المؤسسات الدينية" كسرقة المقابر والمعابد.
1-جريمة القتل:
عقوبة الإعدام كانت جزاء من ارتكب القتل العمد، الذي يتوفر فيها القصد الجنائي بالمفهوم المعاصر، بصرف النظر عن المكانة الاجتماعية للجاني والمجني عليه، كما لجأ المصري في حالات معينة إلى توقيع عقوبات نفسية اعتبرها أشد وطأة من الإعدام، فكان الابن الذي يقتل أحد أبويه يتعرض لتعذيب قبل إعدامه حرقا على الأشواك.
أما القتل الخطأ: فيجب على القاتل ألا يدخل منزله قبل أن يتطهر من الإثم الذي ارتكبه، ويقدم قربانا عند مقبرة القتيل، في إشارة ربما إلى تصالح مبرم بين أسرتي الجاني والمجني عليه، ودفع تعويض مناسب، ولم يغفل المصري عقوبة التستر على جريمة قتل، أو عدم الإدلاء بمعلومات تفيد احتمال ارتكابها لمنع وقوعها، واعتُبر كل من امتنع عن الإبلاغ شريكا في الجريمة ويعاقب بنفس عقوبة الجاني.
2-سرقة الأفراد:
أما عقوبة السرقة لدى المصريين القدماء، فكانت عقوبة من يسرق ممتلكات الأفراد أن يدفع غرامة تصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف الشىء المسروق، وهي عقوبة تغاير عقوبة سرقة ممتلكات الدولة التي وصلت إلى حد دفع السارق غرامة تصل إلى 180 ضعفا، وكان السارق يتعهد بإعادة المسروقات بعد اعترافه ويخضع لعقوبة الضرب مئة ضربة باليد، واجباره على حلف يمين لا يحنثه، وإلا يلقى في النهر للتماسيح وكانت العقوبة تنفذ في مشهد عام من الناس.
3-جريمة الرشوة
كما لم يقف المصرى القديم مكتوفى الأيدى لجرائم العمل الإداري في الدولة فقد تصدى لها، وعلى رأسها جريمة الرشوة التي لم تسلم منها الهيئات القضائية وكانت عقوبتها العزل من المنصب.
4-الخيانة العظمى
أعتبر المصري القديم جريمة الخيانة العظمى للدولة والملك من أبشع الجرائم، ولم يحدد لها عقوبة سوى الإعدام، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي للمتهم، واعتبر الخوض في شئون الملك وافشاء اسراره خيانة تستوجب الإعدام.
5-سرقة المقابر والمعابد
كما أعتبر المصريون سرقة المقابر والمعابد جريمة كبرى لا سيما إن كانت المقبرة لأحد الملوك أو كبار رجال الدولة، وتفشت هذه الظاهرة في فترات ضعف السلطة المركزية، فقد بلغت سرقة المقابر حد "الإعدام" باعتبارها جريمة موجهة ضد الدولة، والثابت إن خففت العقوبة إلى قطع اليد.
-وحارب المصريون سرقة المعابد بسن قوانين تحميها من أي اعتداء، ويتضح ذلك من قائمة عقوبات وردت في مرسوم الملك سيتي الأول "الأسرة 19"، وطبقت عقوبة الإعدام بالخازوق وجدع الانف ودفع غرامة 100 ضعف.
6-جريمة الزنا
حرص المصري القديم على عدم ارتكاب الزنا واعتبره جريمة دينية يتبرأ منها المتوفي أمام مجمع الآلهة في العالم الآخر، كما ورد في نص بردية "الخروج في النهار" المعروف بكتاب الموتى "أنا لم ارتكب الزنا"، ويُلاحظ أن عقوبة الرجل كانت أخف مقارنة بعقوبة المرأة في نفس الجريمة التي كانت تستحق من أجلها القتل، لاعتقاد المصري أن الجُرم يقع في المقام الأول على سماح المرأة بذلك، لذا كان يعاقب الرجل بضربه ألف ضربة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة