فى المحطات السابقة مع نجمنا العالمى محمد صلاح، عشنا رحلة طويلة من نجريج إلى إنجلترا، كانت أشبه بمشوار مفتوح رسمه بجرأة المغامر الذى يعرف قوانين اللعبة جيدًا، ويعرف كيف يؤديها بالمستوى نفسه من التحدى الذى يسمح له بتخطى الحواجز الصعبة، رحلة طويلة ومحطات حافلة صال وجال فيها «فخر العرب»، كما يطلق عليه، عبر خطوات متوهجة بالتألق والاحترافية من مجتمع صغير إلى «بلاد الخواجات» المليئة بالظروف المختلفة.
محمد صلاح نجح خلال هذه الرحلة فى عبور الحدود الفاصلة بين الشرق والغرب سعيا وراء «نداهة أحلامه» التى كانت تناجيه لفضاء أوسع، فصار نجمًا كبيراً فى سماء الكرة العالمية، بعد تحقيقه العديد من الأرقام القياسية داخل الملاعب الأوروبية عبر اللعب للعديد من الأندية، بدءًا من بازل السويسرى ومرورًا بتشيلسى الإنجليزى وفيورنتينا وروما الإيطاليين، وصولًا إلى صفوف ليفربول، حتى أصبح أيقونة للآخرين الحالمين بجموح مثل جموحه، ومطمعاً للمغامرين وصائدى الأخبار فى ملعب وسائل الإعلام المختلفة..
المحطة الثامنة
في المحطة الثامنة، أتحدث عن الفترة الأهم في تاريخ محمد صلاح وهي تألقه فى الدوري الإنجليزي وانجازاته وبطولاته مع ليفربول، وتحقيق حلمه الأكبر بحصد لقب دورى أبطال أوروبا.
"التتويج بدورى أبطال أوروبا حلمى الأكبر، دائما أتذكر نفسى عندما كنت طفلا فى العاشرة من عمرى وأنا أشاهد البطولة، الأن ألعب فى النهائى، وأتخيل المصريين وهم يشاهدوننى وينتظرون الفوز باللقب".. هكذا قال محمد صلاح فى تصريحات إعلامية سابقة، وذلك بعد أن ضرب الريدز موعداً مع ريال مدريد على لقب أبطال أوروبا فى أول مواسمه مع ليفربول.
فلاش باك، محمد صلاح عاد وقتها إلى مشهد سابق حينما كان طفلاً صغيراً فى قريته الصغيرة نجريج التابعة لمدينة بسيون فى محافظة الغربية، فكان يتدرب فى مركز الشباب وعمره 8 سنوات، وكان يأتى بطقم برتقالى والذي يرتديه المنتخب الهولندى لأنه يعشقه بشدة، وعقب نهاية أحد التدريبات ذهب مع أصدقاء الطفولة لمشاهدة إحدى المباريات فى بطولة أوروبا، وتحدث مع أصدقائه عن أحلامه، حيث قال لهم: "ممكن فى يوم ألعب مع هؤلاء اللاعبين".
جاء موعد مباراة ليفربول وريال مدريد، وهنا شعر ابن نجريج بأن حلمه بات حقيقة وأصبح يلامس الواقع، وكان الكل ينتظر تألق الفرعون وقيادته لناديه الإنجليزى لكسر الملكى والقضاء على هيمنة كريستانو رونالدو، وخطف اللقب، لكن مع دقات الدقيقة 25 سقط محمد صلاح على الأرض بعد تدخل عنيف من راموس مدافع الريال معه.
"انهض يا صلاح .. حقق حلمك"، بالتأكيد كان ذلك ما يدور فى عقل محمد صلاح وقت سقوطه على الأرض وتدخل الجهاز الطبى لعلاجه، فقد حاول العودة للقاء مجدداً ، إلا أن إصابته فى الكتف منعته من استكمال اللقاء ، فكان المشهد دراماتيكى بشكل كبير خصوصاً مع بكاء صلاح لضياع حلمه وتهديد مشاركته مع المنتخب الوطنى وقتها فى كأس العالم بروسيا، إذ تألم المصريين فى هذه اللحظة، واحتلوا كل مواقع التواصل الاجتماعى لصب جم غضبهم ضد راموس وشنوا هجوم كاسح عليه، وضاع الحلم بعدما انتهت المباراة لمصلحة أبناء مدريد بثلاثة أهداف مقابل هدف.
"كانت ليلة صعبة، لكننى مقاتل، على الرغم من الصعاب أنا واثق من تواجدى فى روسيا لأجعلكم جميعاً فخورين، حبكم ومساندتكم تعطينى أقوى حافز أحتاج إليه الآن".. هكذا طمأن محمد صلاح المصريين وقتها بعد نشره هذه التغريدة على صفحته الشخصية على "تويتر"، فقد جاءت هذه الرسالة لتبعث روح الطمأنينة لدى المصريين بلحاق صلاح بمباريات كأس العالم بعد فترة من الشد والجذب حول إمكانية اللعب على خلفية تلك الإصابة..
هل يلحق محمد صلاح المشاركة مع المنتخب المصرى فى مونديال روسيا 2018؟.. كان هذا السؤال هو الشغل الشاغل لكل المصريين وعشاق الفرعون فى كل أنحاء العالم، وذلك بعد إصابة خلع الكتف التى تعرض لها على يد راموس مدافع ريال مدريد فى نهائى دورى أبطال أوروبا، والذى فاز به الملكى وأطاح بحلم ابن نجريج وقتها فى الوصول إلى منصة التتويج.
انتهى الموسم الأول لمحمد صلاح مع الريدز، عقب نهاية مباراة ريال مدريد، وانضم بعدها إلى قائمة المنتخب الوطنى استعداداً لمباريات كأس العالم، وذلك بفرمان من هيكتور كوبر المدير الفني للفريق وقتها، وشارك نجم ليفربول في التدريبات تدريجياً لكن الجهاز الفني رفض المجازفة به في ضربة البداية أمام أوروجواى، قبل أن يلعب مباراتى روسيا والسعودية، إلا أنه يبدو أن الإصابة كانت مازال مسيطرة عليه، وخرج منتخب مصر بخفى حنين من المونديال بعد خسارة المباريات الثلاث.
أحلام صلاح لم تتوقف عند هذه المحطة، فقد أثير بعدها الكثير من الجدل حول بقائه فى الدورى الإنجليزى، أو الانتقال للعب فى الدورى الإسبانى عبر بوابة برشلونة أو ريال مدريد، بعدما تردد عن دخوله دائرة اهتمامتهم بقوة خلال الميركاتو الصيفى عقب أول مواسمه مع الريدز، لكن نجم منتخبنا الوطنى حسم موقفه وجدد تعاقده مع ليفربول، وأكد وقتها أنه يرغب فى حصد لقب " البرليميرليج"، والمنافسة مجددًا على لقب دورى أبطال أوروبا، بحثا عن تحقيق أحلامه التى تطارده منذ كان فى قريته الصغيرة بالغربية.
محمد صلاح بدأ موسمه الثانى مع ليفربول وكله قوة وحماس لتحقيق انجازات أكبر مما حققه فى الموسم الأول والوصول إلى محطة الحصول على لقب أفضل لاعب فى العالم وعدم الاكتفاء بالمنافسة فقط أو حصد جائزة الأفضل داخل قارة أفريقيا، إلا أن بدايته كانت يشوبها الحرص والقلق بسبب الإصابة التى تعرض فى نهائى دورى أبطال أوروبا وظلت تطارده، لكنه انتفض سريعًا واشتغلت ماكينة الأهداف من جديد، ثم فجأة وبدون مقدمات بدأت تترد أقاويل عن وجود أزمة بينه وبين زميله بالفريق السنغالى ساديو مانى بسبب غيره الأخير من نجم المنتخب المصرى ورغبته فى سحب البساط من تحت قدميه، واصطياد جوائز الأفضل سواء داخل الدورى الإنجليزى أو فى القارة السمراء.
وقتها، انتشرت الحرب على مواقع التواصل الاجتماعى وبعض المواقع والجرائد العالمية التى أشارت إلى تأثر نتائج ليفربول على خلفية خلافات محمد صلاح ومانى، إلا أن الثنائى كانا ينفيان هذه الأنباء فى كل مناسبة ويؤكدان أنهما صديقان خارج الملعب وكل هدفهما داخل الملعب مساعدة فريقهما، إلا أنه مع صيام صلاح عن التهديف فى منتصف الموسم بدأت بعض الأقلام الصحفية داخل إنجلترا تهاجمه وتؤكد أن ما حققه فى موسمه الأول لن يتحقق مجددًا وأنه لاعب الموسم الواحد وغيرها من هذا القبيل، وهو ما جعل هناك ضغوط عصبية عليه، لكنه نجح سريعًا فى استعادة توازنه النفسى بثبات انفعالى أكثر من رائع وبدأ يستعيد بريقه مرة أخرى وبدأ يحرز عدة أهداف متتالية دعمته في السباق الشرس على لقب الهداف، لكن المحزن أنه أحلامه بحصد لقب الدورى الإنجليزى وأبطال أوروبا كانت على المحك.
فعليا، فإن حلم صلاح الأول بحصد لقب الدورى الإنجليزى كان مستحيلا نظراً لأن مانشستر سيتى وفقا لحسابات الورقة والقلم وقتها هو الأقرب قبل 3 محطات على النهاية، كما أنه حلمه الثانى وقف أمام قطار اسمه برشلونة الذى ضرب موعداً مع الريدز فى نصف نهائى أبطال أوروبا 2018-2019.
وقبل الحديث عما حدث فى مباراتى برشلونة، فقد نجح ابن نجريج فى الحصول على لقب هداف "البرليميرليج" للموسم الثانى على التوالى، لكن هذه المرة مناصفة مع زميله بالفريق ساديو مانى وبيير أوباميانج مهاجم أرسنال، وعلى الرغم من خسارة اللقب لمصلحة السيتي، فكان المشهد الختامى له فى آخر مباراة بالدورى الإنجليزى رائعاً بعد أن خطفت ابنته مكة الأنظار كالعادة على هامش احتفال والدها بلقب جائزة "الحذاء الذهبى" ، حيث تجولت داخل أرض الملعب، وقامت بلعب الكرة بقدمها اليسرى وسجلت هدفا فى الشباك وسط صياح وهتافات من الجمهور لها.
هنا خسر صلاح حلمه الأول، لكن تبقى الحلم الثانى المتمثل فى حصد لقب دورى أبطال أوروبا مستمرا رغم الصعوبة الكبيرة لأنه يصطدم بمواجهة ميسى أسطورة برشلونة فى نصف النهائى..
ثم جاء موعد مباراة الذهاب أمام برشلونة على ملعب "كامب نو"، وابن نجريج يحمل على عاتقه كل أحلام المصريين قبل جماهير الريدز أنفسهم، الذين ينتظرون مبارياته بفارغ صبر لتشجيعه.. هنا وقف نجم المنتخب الوطنى قبل انطلاق اللقاء صامتاً وكأنه يتذكر مشهدين:
المشهد الأول: حينما كشف لأصدقاء الطفولة عن حلمه فى اللعب مع كبار أوروبا.
المشهد الثانى: حينما سقط فريسة للإصابة فى كتفه على يد راموس مدافع ريال مدريد في نهائي النسخة الماضية بأبطال أوروبا.
ما بين المشهدان الأول والثانى، كان المصريون يتذكرون ما حدث أمام ريال مدريد ويتمنون رؤية ابن بلدهم يتفوق على ميسى، لكن فاز برشلونة على ليفربول بثلاثة أهداف دون رد، وذلك على الرغم من تألق كتيبة محمد صلاح الذى كست وجهه علامات الحزن والحسرة بعد قرب ضياع حلمه الثانى خلال هذا الموسم، وفقاً للغة المنطق والقراءة التحليلية لكل النقاد الرياضيين حول العالم الذين أكدوا على صعوبة التعويض في مواجهة الإياب.
لم تتوقف أحزان محمد صلاح فى هذا المشهد عند نقطة الخسارة الكبيرة التى تلقاها فريقه على يد برشلونة، بل امتدت بعدما تأكيد غيابه عن مباراة الإياب في أنفيلد معقل ليفربول بسبب الإصابة التى تعرض لها فى مباراة نيوكاسل بالدورى الإنجليزى بعد اصطدامه بالحارس مارتن دوبرافكا، إذ أكد الجهاز الطبى لناديه وقتها أن الارتجاج الذى حدث له فى "المخ" يستلزم إراحته لمدة لا تقل 10 أيام.
أصبحت الأمورم أكثر تعقيدًا على أحلام محمد صلاح وليفربول سويًا، حتى جاء موعد الحسم وتحديد هوية صاحب بطاقة العبور لنهائى أبطال أوروبا بشكل رسمي، وظهر الفرعون فى المدرجات لتشجيع ناديه مرتديًا تيشيرت مكتوب عليه باللغة الإنجليزية"NEVER GIVE UP"، والترجمة بالعربية "لا تستلم أبداً"، فى رسالة منه زملائه باللعب لآخر نفس من أجل التعويض، وكانت المفأجاة الكبرى التي تحدث عنها العالم كله بعد أن حقق ليفربول ريمونتادا تاريخيه بتأهله إلى النهائى عقب فوزه الكبير على برشلونة بأربعة أهداف نظيفة.
حينها عاد حلم طفولة محمد صلاح إلى صدارة المشهد من جديد، بل تعزز الحلم أكثر وأكثر بعد أن صعد توتنهام إلى النهائى على حساب أياكس الهولندى، إذ تقول نتائج الناديين الإنجليزيين هذا الموسم أن الريدز هو المرشح الأقرب للقب، وعلى أرضية ملعب "واندا ميتروبوليتانو" فى مدريد، كان ابن نجريج على موعد مع التاريخ، عند دقات الدقيقة الثانية من عمر المباراة النهائية، إذ أحرز الهدف الأول لناديه من ضربة جزاء، هنا بات حلمه قريباً جداً حتى جاءت اللقطة الحاسمة، حينما أحرز زميله أوريجي هدف تأكيد الحلم بالدقائق الأخيرة، ليتوج بعد الريدز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة فى تاريخه، والفوز بالبطولة للمرة الأولى بعد 14 عاماً وتحديداً نهائي أسطنبول الشهير في 2005.
"حققت حلمى الذى كنت أشتاق إليه منذ أن كان عمرى ثمان سنوات، وهو التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا"، هكذا علق محمد صلاح عقب نهاية المباراة مباشرة.
يبدو هنا أن بطولة دوري أبطال أوروبا، كانت "وش السعد" على صلاح في مشوار الإنجازات والبطولات مع ليفربول، حيث إنه توج مع الفريق في نفس العام بكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، كما ابتسم الحظ له مجددا في موسم 2019-2020، وحقق حلمه الأكبر الثانى عبر الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الذي عاد إلى أحضان الريدز عقب 30 عامًا عجاف بلا لقب بريميرليج، لكنه لم يستطيع الحفاظ على اللقب في الموسم التالى، كما خسر مع المنتخب الوطنى لقب أمم أفريقيا والتي في مصر.
محمد صلاح لم يتوقف عن أحلامه بعد، حيث إنه منذ بداية الموسم الحالي، وهو يقدم مستوى أكثر من رائع مع ليفربول سواء في الدورى الإنجليزى أو دوري أبطال أوروبا ، كما واصل ضرب العديد من الأرقام القياسية، مما دفع الكثير من الخبراء والنقاد في كرة القدم العالمية يؤكدون أنه أفضل لاعب في العالم حاليا ويستحق الفوز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2021، وهي الجائزة التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول" من كل عام ، خصوصا أنه في القائمة التي تتنافس عليها.
ختامًا، رحلة محمد صلاح مع الساحرة المستديرة أكدت أن الأحلام ليس لها أجنحة، بل إنها تحتاج فقط إلى العمل المضاعف والتمسك بها حتى تلامسها، فالاجتهاد والإخلاص فى العمل هما عنوان تحقيق الأحلام والنجاح على أرض الواقع، ونحن لمنتظرون تحقيق الكثير من الأحلام مع صلاح لنفتح صفحات جديدة مع حكايته فى ملاعب الساحرة المستديرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة