في مسار الأمم جميعا دائما ما يظهر مراحل من الالتباس والضباب، حتى أن الصح بمفهومه الواضح يصير خطأ في نظر الناس، خاصة أن بعض القائمين على أمور الصح والخطأ لا ينتبهون لطبيعة مهمتهم القومية، فيصير الصواب والخطأ متوقفا على طبيعة المتلقي و حالته المزاجية ووقت وزمن الحديث حول الصح والخطأ، وفى ذلك المسار الضبابى تنشط طفيليات خاصة من " البني آدمين" تزداد وتزدهر في غياب الطرف الأحق بالمواجهة وهم رجال الدين، مما يدفع قطاعات كبيرة من المواطنين بالشعور بأن دينهم هو فقط الدين الذى يمارسونه في منازلهم ، ولا يعرفون على الاطلاق بأن العمل جزء من الدين، والتعامل مع الآخر جزء من الدين، واحترام قيم وعادات وقوانين البلاد جزء من الدين، والسعادة جزء من الدين، فيتركون ذلك كله هربا إلى دين بمواصفات معينة، يريحهم ويرتاحون فيه، يكفيهم فقط بعض التسابيح والصلاة ويشعرون أنهم بذلك قد امتلكوا دينهم وناصية أمورهم، وأن سماعهم منشدا أو خبيرا في التنمية الدينية هو الدين الصحيح، ومصطلح خبراء التنمية الدينية يذكرنا بمشايخ جدد نتذكر صورهم إعلاميا، يعتبرون أنفسهم مبشرين بالدين، وحقيقة الأمر أنهم لا يقدمون أيضا دينا عصريا، بل يقدمون أنفسهم بشكل عصري بنفس الخطاب الديني القديم.
وما بين الخطأ والصواب مسافات كبيرة للغاية لمن امتلك فكرة الوعى، والوعى في مجمله يعتمد على عقل نقدي، فالنقد ليس في السياسة فقط، ولا النقد نتذكره في التعليق على المهرجانات والمواقف " السوشيالية"، لكن النقد أوله نقد الموروث والمتعارف عليه، و ذلك أحد الأوجه الصحية في الحياة عموما، فالنظر إلى الدين باعتباره ثابتا لا يقبل الجدل فيه، يعتبر أحد أشكال الوفاة الاكلينيكية للروح، والأمر هنا ليس دفعا للناس بأن يستبيحون دينهم، لكنه دعوة للناس لأخذ الدين عبر مراحل من الوعى الرشيد الذى يجعل كافة مضامين الدين مدخلات جديدة على عقل الانسان، فيأخذ منه ما يفهمه، ويذهب إلى القراءة والاستماع حول ما لا يفهمه.
وببساطة شديدة فالدين باعتباره وسيلة حالية يتم استغلالها من دول وأجهزة مخابرات دولية وإقليمية، تجعله مدخلا لتبرير الإرهاب واستغلال العقول الضعيفة لتنفيذ عمليات إرهابية تحت ساتر الدين نفسه، يجعلك تتسآل كيف اقتنع هؤلاء الأشخاص بما يفعلونه، ويعتبرونه وجها من أوجه التقرب إلى الله، ولا يمكنك أن تجد إجابة أوفى وأشفى لفضولك، من كون المستقبلين لتلك الأفكار، يخضعون لمراحل زرع منظمة في مناخ مشوش، يجعل اللبس لديهم واضحا بين الخطأ والصواب، حينها يظهر منهج ملوث يجعلهم يقتنعون بما يفعلونه، وحينما يختفى الوعى وأدواته، وفى ظل تراجع حقيقى وواضح لرجال الدين الذين يتحدثون بلغة قوية وجماهيرية واسعة وصحيحة، ينشط الطرف الآخر محملا بكل الخطط الملوثة ليزرعها في عقول تفتقد النقد والنقض، وتتشوق للقتل والأعمال الدموية، يخلطون فيها عن عمد بين ماهو دين وبين ماهو سواءات للنفس.
وفيما ذكرنا سابقا حول فكرة الوعى الرشيد ، يمكننا أن نعيد للقراء ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم في الاحتفالية الخاصة بالمولد النبوى، حول أهمية قضية الوعي الرشيد، وفهم صحيح الدين باعتبارهما من أولويات المرحلة الراهنة لأن بناء وعي أي أمة، بناءً صحيحًا هو أحد أهم عوامل استقرارها وتقدمها، في مواجهة من يحرفون الكلام عن مواضعه، ويخرجونه من سياقه، وينشرون الأفكار الجامحة الهدامة التي تقوض قدرة البشر في التفكير الصحيح والإبداع لتنحرف بهم بعيدًا عن تأدية الأوامر الربانية، من تعمير وإصلاح الكون، لما فيه الخير للبشرية جمعاء وكمنهج للإنسانية، في ترقية النفس البشرية، وضبط حركتها في الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة