ننشر مقالة للكاتبة الجزائرية مريم عرجون تحت عنوان "كورونا الوكيل الحصرى لذاكرة الحزن" تقول فيه:
اكتب عن أيام لا تشبه فرحتى وسط تلك الفوضى في الداخل، حين عم الهدوء هذا العالم المزدحم جدًا، اكتب إلى أرواح شركائنا في الإنسانية الذين فقدناهم فى خضم كون من العدم، عالم برىء هادئ يسمع فيه صدى الأمطار، صدئت له الأنفس وضاقت مرافئ الصبر وكبر الحزن في مدن كالسفن المهاجرة مكتظة بالأحزان تعصف بها رياح الطمأنينة منفردة في عقر اكتظاظها و يتلبد في سمائها موت يسيطر على الأنفس كل طرقات تلك المدن التي شهدت حبا وفرحا وأغنيات المساء تستنير بوهج ذكريات شوارعها الزاهية وتنتظر بشوق الحدث الكبير يشهر أقواسه الملونة فى السماء احتفالا بقصه تاريخ مجنون، تاريخ كاللوحات التجريدية وحده الله من يملك أسرار ضربات ألوانها ومنحنيات خطوطها، فمن المؤسف أن يمر العمر دون قصه وها نحن اليوم نمشي على أطراف أصابعنا على حد السكين ونتجهز لنكتب تاريخ تلك المدن، هل يرخي التاريخ زمامه ويمتلأ بقوافي الحنين أو يضيع وجهته ويملأ الفارغ بشي من فراغ؟.
مدن كانت كالفلك السحري فقدت نغمة اللهفة وانطفأ لهيب شوارعها وسكنها الملل حين سدل الليل المقفر ستاره عليها ولامس ثوبه الأسود الطويل على كل شيء فانعدمت جاذبية الأشياء فيه ليتجلى تلك الأرواح المحمومة ويمارس كل أساليب الاضطهاد عليها تقف حائلة قلوبها بين جفن وجفن، كم كان سخيا حظورك أيها الليل فلا نور ولا نار، مدن، شوارع، أماكن كسيرة الجناح تجمدت أحلامها وبقي الأرق هو رفيق ساعاتها الموحشة وأيامها تتشابه في زحام الأماني فتلمس الروح سلام السكون وما ساعة سكون إلا ساعة أسى وهذيان في زمن الضجر، لحظة تعترض ذلك الوباء تتوالد الأيام فتنجب ليلا لا يبعث ونهارًا لا يموت، يدنوا للأرواح الموت الأناني ليراقصها طويلاً على أنغام غسق تردد صوته الذي يزداد علوا في لوحه غروب بروعه الهذيان دون رياء البصيرة، فتعبق رائحة الموت تملأ الفضاءات وتطغى على الروائح المعهودة تسحبك تلك الرائحة الجذابة كمريض مصاب بالإدمان تملأ رئتك لتبقى حبيسةَ الصدرِ بعد عاصفة تجتاح النفوس في الليالى المهلكات، تسبب طوفانات تنزع الروح و يتسرب من أجسادها الميتة مزيجا من الوجع الموغل فى الدم ثم تبتسم لك فى السر كانت شبيهة باقة ورد ذبلى جفت وانحنت قامتها و تدلت من مزهرية حين البسوها سمل الثياب فتناثرت الأرواح كأوراقها بعد ذاك البهاء
ومن يدنو من هوائها العليل يدفن في مقبرة الوفاء الصامت..مدن توقف بها الزمن في برزخ من فراغ سببت العلل وعللت ألأسباب ويبقى عصي على الفهم ذلك الشيء فيها و لم يبقى لها شيء وسط ركام احلام الغاديات وانفضاض الظلال حين اغوتها السماء فهاجرت كأسراب الطير فارتدت سواد الليل حدادًا وثكلى الموت تقتل بصمت ولا نهار له في مدن الرجاء الموصدة بالصمت والوجوم ترفرف ذاكرتها تستفيء ظلالها وشمس الأمل.... أرواح كانت كسيجاره تدفع احتراقها فتتطاير كنفحه دخان هشة تتشكل على هيئة كون يحتويك ثم تبقى رماد وأن للمس الرماد عدوى موت تذكر في مدن منزوعة الاشتياق، مدن في غفلة من الزمن خانها الهرب فأردتها الحمم حين ترقبت جبلا يتمخض عن بركان فصارت تماثيل البقايا الخاوية فى متحف الشمع، وما ذاك الفراغ الذى يلف المكان سوى حياة بلا ملامح خاوية من مورق الأغصان وجف ثمرها في موسم القطاف بل ما هي الحياة بلا حياة.
وحده الله ينتشلنا من غيابة جب الأحزان و يعيد الموت، بلونه السابق المعتاد و ترتدي الحياة ،عباءتها القديمة المعتادة.. وسيفيق الشغف من غفوته، فيذيب الثلج عن شفاه العاشقين.. وتستفيق المدن فلا تبصر محض السراب تستفيق مره أخرى بلون آخر وبهاء آخر.. لتهبنا بذوراً جديدة تنبت في خصب الأجساد.. كلنا سننسى هذا الإنذار الكوني الخطير، ونمضي في حياتنا ببلاهة..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة