وسط صقيع شهر طوبة في ظل الأجواء شديدة البرودة، يقف "إسلام" بملابسه الشتوية الثقيلة، ملتزما بارتداء الكمامة لحماية نفسه والآخرين من فيروس كورونا "كوفيد 19"، وأمامه دراجته التي يستثمرها في مشروع قهوته المتنقلة مع تقديم خدمة توصيل المشروبات الساخنة لعملائه ومتردديه من المارة بين الحين والآخر، أملا في زيادة دخل أسرته حتى يستطيع الإنفاق على زوجته وأولاده مع تسديد القروض والديون المطالب بسدادها.
بالمصادفة دون تحديد معاد مسبق، رأينا إسلام يقف مع أحد زبائنه بالقرب من نادي الصيد بالدقي، يصنع له فنجانا من القهوة، اقتربنا منه أكثر وكان قد انتهى من تقديم خدمته للزبون ويضع ما رزقه الله في جيبه بنفس راضية، مرددا: "الحمد لله.. الحمد لله"، وقبل أن يغادر الزبون قال له إسلام: "القهوة هاتعجبك، ولو معجبتكش رجعهالى".
يقول إسلام، صاحب المشروع المتنقل للمشروبات الساخنة، لـ"اليوم السابع" أثناء إعداده القهوة على دراجته الصغيرة، إن فكرة مشروعه طرأت في ذهنه، حينما كان يصطاد السمك ذات يوم وبدأ يعد لنفسه القهوة بأدواته الشخصية، وخلال ذلك مر عليه أحد الأشخاص والتقط له صورة خلال صيده وعمله القهوة، ثم طلب منه هذا الشخص فنجانا من القهوة فأعد إسلام ما طلبه، ثم أبدى ضيفه إعجابه الشديد بالقهوة وانصرف، مضيفا: "بعدها قعدت فكرت مع نفسي وقولت أنا ليه مستغلش الفكرة دي في أني أزود دخلي واعمل المشروع ده عشان اعرف أصرف على ولادي الأربعة وأسدد القروض اللى عليا".
وأضاف: "بدأت بأقل الإمكانيات المتاحة، معايا العجلة وجبت السبرتاية وبنضفها دايما، واشتريت تورمس بالتقسيط عشان أحط فيه المياه السخنة، ولما الميه تخلص بلف على أي مكان أجيب منه تانى"، مشيرا إلى أن باقي الأدوات تتمثل في "السبرتو" المستخدم لإشعال النار، وعدد من الأكواب واللبن والنسكافيه من أفضل الأنواع، وغيرهما، وذلك حرصا على الجودة.
وتابع: "نفسي أعمل صندوق شكله حلو، أحط فيه السبرتايه وقدم خدمة أفضل وأحلى للناس، خاصة إن في ناس بتاخد رقمي وتتصل بيا تطلب مني أروحلها المكان اللي فيه واعملها المشروبات في مكان تواجدها"، مشيرا إلى أن حلمه يتمثل في توفير مكان مرخص يقف فيه لاستمرار مشروعه بشكل قانوني مع توفير الموارد التي تنقصه.
وأشار إسلام صاحب "القهوة المتنقلة" إلى أنه يعيش برفقة زوجته وأولاده في صفط ويستخدم العجلة كوسيلة تنقل بالذهاب من وإلى صفط والدقي والأماكن التي يتردد عليها لبيع القهوة ومشروباته الساخنة، مشيرا إلى أنه مريض دوالي في قدمه وهذا يؤلمه بشدة ورغم ذلك يواصل عمله ويقف بالساعات، قائلا: "الرزق بيحب الخفية".
وأردف قائلا: "الشكوى لغير الله مذلة، بقف على رجلي من صباحية ربنا، بس الحمد الله، وبشيل العجلة عند كوبري الخشب في بولاق وبطلع وبنزل بيها السلم وبتحرك بيها في أي مكان"، موجها رسالة إلى بعض الشباب الذين يتكاسلون عن العمل ولا يجدون فرص عمل، قائلا: "مش كل حاجة فلوس، هي وسيلة بس أنت إزاي تجيبها، اشتغل أي حاجة حلال، يعني أنا بدأت أهو بس مش لاقي مكان اقف فيه عشان البلدية وأنا مش عايز أكون مخالف".
وأضاف باكيا: "أتمنى أن يكون معايا ورق رسمي بالمشروع عشان مكنش مخالف.. أنا بتكلم بطيبتي ومبعرفش أذوق في الكلام، أنا نفسي بس في مكان مساحته متر أشتغل فيه، والله أنا ابن ناس وموظف حكومة الصبح، بس طبعا عامل قرض والشكوى لغير الله مذلة، بس ربنا جعلنا أسباب لبعض.. نفسي في متر أقف اشتغل فيه، والله ما عايز حاجة غير كدة.. أي مسئول لوجه الله عشان عندي عيال، نفسي في متر أشتغل فيه، والله مش بالكلام، أنا فعلا محتاج متر مرخص أشتغل فيه، ومش طالب حاجة تانية ومش بقول غير يا رب.. وللمرة التانية أنا موظف حكومي بس الدنيا غلاء، والغلاء ده مش بإيد حد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة