احتفى موقع "فالير أكتويل"، أشهر موقع فرنسي بمقال الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "البوابة نيوز" الذي حمل عنوان "تفكيك تنظيم الإخوان .. ضرورة اللحظة".
وأبرز الموقع المقال في صدر صفحته الرئيسية، مشيدًا بما جاء فيه من معلومات مهمة.
وإلى نص المقال:
تقف فرنسا اليوم في مفترق طرق ليس بسبب جائحة كورونا فذلك النوع من الكوارث الانسانية يستطيع العلم سريعا الانتصار عليه كما حدث من قبل مع جائحات عديدة مرت بها الانسانية.
لكن ما اقصده هنا هو جائحة التطرف والإرهاب تلك الآفة التي عانت منها فرنسا لعقود عديدة والتي قررت الحكومة مؤخرا مواجهتها بحسم عبر اصدار قانون مكافحة الانفصالية.
واعني بمفترق الطرق هنا، ليس فقط المعارضة التي تواجهها الحكومة في الداخل من بعض اقطاب اليسار ودعاة حقوق الانسان، ولكن ايضا بسبب الاوضاع الدولية التي على وشك ان تتغير وبشكل جذري فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وخاصة بعد اعلان فوز الديمقراطي جون بايدن بالرئاسة في امريكا بما له من تأثيرات على حركة الاسلام السياسي في العالم نظرا لما قام به سلفة من قبل باراك اوباما من تقديم الدعم لهذا التيار حتى ساهموا جميعا في اسقاط عدة دول في الشرق الاوسط مؤدية بذلك الى ما اسمته كونداليزا رايس بالفوضى الخلاقة التي لم يزل العالم بأثرة يعاني من آثارها حتى يومنا هذا.
ان مفترق الطرق هنا يعني ان تكون فرنسا بكافة تياراتها يقظة وواعية تجاه هذه المشكلة ( مكافحة الانفصالية) وان تحدد الاسباب جيدا وتسعى للمواجهة بمنتهى الحزم والسرعة في آن واحد، لأن المعركة التي هي بصددها من وجهة نظري معركة وجود.
وعندما اتحدث عن تحديد دقيق للسبب الرئيسي وراء تلك الجائحة المزمنة، التي يعاني منها المجتمع الفرنسي منذ اكثر من اربعة عقود اعني ما اقول ..
فطوال تلك العقود الاربعة ومنذ محاولات جان بيير شوفينمون عام ١٩٩٩ مرورا بمحاولات ساركوزي عام ٢٠٠٣ وحتى الآن كانت تلك المحاولات للأسف تعيد انتاج الأزمة عبر تحديد خاطئ لها باعتبارها أزمة دين ومن هنا كان الحل دائما هو الاستعانة ببعض المتنفذين داخل هذه الديانة للقيام بحل المشكلة والتعامل مع الدولة كممثلين لها الأمر الذي كان يساهم دائما في اعادة انتاج الأزمة لاننا نضع الحل في ايدي المتسببين في المشكلة.
فقد اختطف التنظيم الدولي للاخوان الاسلام ومعه مسلمي فرنسا منذ عقود عديدة في جريمة واضحة تمت على ضفاف السين وعلى مرأى ومسمع من الجميع وربما بمساهمة من البعض، عن عمد او سوء فهم.
لقد حان الوقت لتغيير الاستراتيجية لمواجهة التحدي وتعريف من هو العدو على وجه التدقيق. لأن جماعة الإخوان المسلمين ليست مجرد تنظيم "محافظ": فهم مصنفون في الإمارات ومصر كمنظمة إرهابية، وفرعهم الرسمي في فلسطين/غزة هو منظمة حماس الارهابية التي اعتمدت اسلوب العمليات الانتحارية بفتوى من مفتي الجماعة يوسف القرضاوي الذي اقر تلك العمليات علانية شريطة أن تكون بتوجيه من جماعة الأخوان. ثم قامت في يناير ٢٠١١ بتنفيذ اوامر قيادتها في مصر باقتحام الحدود ومهاجمة اقسام الشرطة المصرية واقتحام السجون والافراج عن ٣٦ قيادة من قيادات جملعة الاخوان بينهم محمد مرسي وكذا قيادتان من حزب الله الابناني وآخرين من حركة حماس الأمر الذي ادى الى اشاعة الفوضى في البلاد وتمكين تنظيم الإخوان الأم في مصر من اسقاط نظام مبارك والوثوب مكانه الى السلطة.
حماس وداعش.. تعاون وثيق
وفي يوليو 2017 عقد عصام صالح، القيادي في "جيش الإسلام" التابع لتنظيم داعش في غزة، عقد مؤتمراً صحافياً، اعلن فيه انهاء الخلاف القائم بين داعش وحركة حماس مضيفا ان مشاورات جرت بين الطرفين تم على اثرها الاتفاق على وقف "داعش" التفجيرات في قطاع غزة ، على ان توقف حماس اعتقالاتها لعناصر داعش .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وانما وصل الامر الى حد التعاون وتقديم المساعدات اللوجستية من قبل حركة حماس لتنظيم داعش وبخاصة في سيناء في مواجهته للجيش المصري حيث نشرت مؤسسة (جيوش نيوز سينديكيت - Jewish news syndicate )الإسرائيلية تقريرا حصريا حول حصولها على وثائق خطيرة مسربة من داخل تنظيم "داعش" الإرهابي، تكشف تفاصيل وكواليس خطيرة عن الحرب الدائرة في سيناء.
وأوضحت المؤسسة الإسرائيلية أنها حصلت على وثائق داخلية تابعة لـ"داعش" صاغها أحد قيادات التنظيم ويدعى أبو مرام الجزائري يكشف فيه عن الطرف الذي يقدم مساعدات كبيرة لفرع "داعش" في سيناء، أو ما يعرف بـ"ولاية سيناء".
وتشير الوثيقة المكونة من ١١ صفحة إلى أن جناح "ولاية سيناء" كان يحصل على مساعدات كبيرة من قبل الجناح العسكري لحركة "حماس" في قطاع غزة.
ولم تكن تلك هي المرة الاولى التي تتعاون فيها حركة حماس الفرع الفلسطيني لجماعة الاخوان مع التنظيمات الارهابية فقد كشفت أوراق القضية 230 لسنة 2009 المعروفة بتفجيرات "المشهد الحسينى"، والتي راحت ضحيتها مواطنة فرنسية استغلال اثنين من المخططين هما: خالد محمود مصطفى، وأحمد محمد صديق، لغزة كملاذ آمن، تحت سمع وبصر وبحماية حركة حماس، أيضا استخدام البلجيكى من أصل تونسى، فاروق طاهر للأنفاق، فى العودة من غزة إلى مصر للمشاركة فى التفجيرات، بعد الحصول على التوجيهات من قادة تنظيم حركة حماس فى غزة .
كما اوضحت أيضا أوراق القضيتين رقم 409 لسنة 2006، 867 لسنة 2005 المعروفتين بتفجيرات دهب المصرية وشرم الشيخ، دخول الشقيقين أيمن ويسرى محمد حسين محارب إلى غزة لتلقى التدريب والتمويل والسلاح لتنفيذ تلك التفجيرات، حيث دخلا القطاع بمساعدة من ماجد الدرى أحد اكبر كوادر حركة حماس هناك. وتقابلا مع أبو سليمان القيادى بالحركة والذى قام بتجهيزهما بالأموال اللازمة للقيام بالعمليتين.
وقد يتصور القارئ ان تلك الوقائع قديمة ويتعلق معظمها بفرع تنظيم الاخوان في فلسطين لكننا نذكرة بقرار الادارة الامريكية في يناير ٢٠٢١ بادراج حركة حسم الاخوانية في قوائم التنظيمات الارهابية وهي الحركة التي اسسها محمد كمال عضو مكتب الارشاد الدولي لتنظيم الاخوان والذي لقى مصرعة في احدى المواجهات الامنية بمنطقة المعادي احدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة في اكتوبر ٢٠١٦، وهو ما لم يذكرة خبر ادراج الحركة كتنظيم ارهابي في امريكا.
بداية الخطر الإخواني :
لقد جاء التنظيم الدولي إلى فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضي بهدف واحد اطلق عليه الأخوان آنذاك مسمى"التمكين في الغرب".
هذا التمكين الذي يتم وفق رؤيتهم عبر ثلاث مراحل تعمل بالتوازي وليس بالتوالي.
أولاً التمكين الاجتماعي:
عبر إنشاء المؤسسات الاجتماعية التي يتم من خلالها جمع وتنظيم المسلمين الفرنسيين والمهاجرين في وحدات ادارية منظمة؛ بدأت بسبع جمعيات في عام ١٩٨٩ لتصل إلى 250 جمعية في منتصف ٢٠٠٥.
ثانياً التمكين الاقتصادي:
وذلك عبر التمويل المباشر والغير المباشر حيث يتمثل الأخير في حقائب المال الدبلوماسي الذي استخدم في بناء المساجد والمدارس والمراكز الثقافية، وعدد من الانشطة التربوية الأخرى.
والتمويل المباشر من خلال التبرعات والتحويلات البنكية بالإضافة إلى عائدات الأنشطة الإسلامية كتجارة الحلال وانشطة الحج والعمرة وجمع الزكاة والصدقات.
ثالثاً :التمكين الثقافي:
وذلك عبر إنشاء المراكز الثقافية والمدارس وإقرار ودعم التعليم الخاص والتعليم بالمنازل، مما سمح للأخوان بنشر منهجهم في التربية الفكرية والدينية في كل ربوع تلك الضواحي.
هذا التمكين بأشكاله الثلاثة يقودنا الى التمكين السياسي الذي يبدأ عادة بالتأثير في الانتخابات المحلية والعامة، ويتطور ليصبح ورقة مهمة ينبغي على السياسيين أخذها بعين الاعتبار في معاركهم الانتخابية، حتى نصل إلى مرحلة يصبح الاخوان فيها ورقة حاسمة في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية.
ووفق تلك الاستنتاجات فان تفكيك هذا التنظيم بكافة تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يصبح واجب اللحظة في فرنسا .. قد يساهم القانون الجديد ( قانون مكافحة الانفصالية) في جزء من عملية التفكيك تلك ولكنه لن يكون كافيا بالطبع حيث عرف التنظيم الاخواني بالقدرة على التأقلم مع كافة الظروف والمهارة في التغلب على مجمل المعوقات التي واجهته عبر تاريخه. فقد نجح الاخوان طوال ما يقرب من مائة عام في استخدام تناقضات خصومه ليحولها الى صالحه ويبني من خلالها مؤسساته؛ والتجربة المصرية خير دليل على ذلك.
تفكيك سيستغرق سنوات
ولهذا يجب إعطاء الأولوية ، كخطوة أولى ، لتجفيف مصادر التمويل ومراقبة وحظر هذه الجمعيات ومحاكمة قادتها. هذه هي الأسلحة الرئيسية التي في حوزتنا لاتخاذ الخطوة التالية الحاسمة ، وهي تفكيك النظام الأيديولوجي الذي نجحت هذه الجماعة في غرسه في المجتمع الفرنسي من خلال مدارسها ومساجدها وجمعياتها. هذا التفكيك سوف يتطلب سنوات من العمل من أجل القضاء عليه. تواجه فرنسا عملية معقدة استمرت لسنوات وسنوات. يلزم اتخاذ إجراءات أسرع وتطبيقات أقوى لحفظ ما يمكن حفظه. وإلا ستستمر الدولة والمجتمع ، للأسف ، في العمل في حلقة مفرغة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة