في أجواء كرنفالية احتفالية مبهرة مساء الأربعاء الماضي، شهد عشاق كرة اليد في مختلف أنحاء العالم، ضربة البداية في النسخة الـ27 من بطولة العالم لكرة اليد، والتي تقام على أرض مصر من 13 إلى 31 يناير الحالي، وفي الوقت الذي تستحوذ البطولة على اهتمام بالغ، نظرا لكونها نسخة تاريخية من بطولات العالم، في ظل مشاركة 32 منتخبا في البطولة للمرة الأولى في التاريخ، فإنها تعكس الإرادة المصرية في التحدي للأزمات، وهو ما ساهم إلى حد كبير في كسر أجواء الأزمة التي عاشها العالم خلال الشهور الماضية، بسبب تفشي الإصابات بفيروس كورونا المستجد، خاصة مع تفاقم حدة الإصابات عالميا، فيما يعتبره البعض موجة ثانية من الجائحة.
أذكر قبل أكثر من أربعة شهور أن المنظمين أبهروا العالم من خلال التنظيم المميز لقرعة البطولة عند سفح أهرامات الجيزة في الموقع الذي استضاف خلال السنوات الماضية أكثر من قرعة وحدث رياضي دولي في أحضان الحضارة الفرعونية القديمة، وأحد عجائب الدنيا السبع، وشهد القرعة عدد من رجال السياسة والرياضة في مصر، إضافة إلى مسؤولي الاتحاد الدولي للعبة بقيادة الدكتور حسن مصطفى، وكذلك مسؤولي الاتحاد المصري للعبة، وعدد من الضيوف ورجال الإعلام من مصر والعالم، وأقيم حفل إجراء مراسم القرعة - وقتها - وسط تراجع حدة الإصابات بفيروس كورونا المستجد خلال صيف 2020، ولكن المنظمين في مصر كانوا على موعد مع تحد رهيب ومن نوع خاص خلال فعاليات البطولة التي انطلقت الأربعاء الماضي، لاسيما مع تفاقم الأزمة مجددا، فيما اعتبره كثيرون بمثابة تحد مصري لموجة ثانية من جائحة كورونا.
ومن أجل ضمان الأمان الكامل للفرق المشاركة والأطقم الإدارية المصاحبة لها لجأ المنظمون إلى نظام الفقاعة أو "الكبسولة" الكاملة من خلال إقامة جميع المنتخبات المشاركة والأجهزة الفنية والمعاونين لهم في فنادق طوال فترة مشاركة هذه المنتخبات بالبطولة، دون السماح لأي فرد بالدخول أو الخروج من هذه الفنادق للحفاظ على سلامة جميع العناصر المشاركة في البطولة، بعد إجراء المسحات الطبية لجميع هذه العناصر قبل دخولها إلى "الفقاعة".
معروف أن مصر تستضيف البطولة للمرة الثانية في تاريخ المونديال، حيث كانت المرة الأولى في 1999، ولكنها أقيمت بمشاركة 24 منتخباً فقط، وساهمت نسخة 1999 في زيادة شعبية اللعبة في مصر، لاسيما مع احتلال المنتخب المصري المركز السابع حينها قبل أن يحرز المركز الرابع في البطولة التالية عام 2001، ليصبح أفضل إنجاز له في تاريخ بطولات العالم.
وتقام البطولة هذه المرة وسط إجراءات صحية مشددة وبروتوكول صارم للحد من تفشي الإصابة بكورونا، لاسيما مع الموجة الثانية التي تجتاح العالم من هذه الجائحة التي تفرض نفسها على الأحداث في كل مكان، ورغم هذه الإجراءات والكم الهائل من المسحات الطبية التي خضع لها المشاركون بشكل منتظم ودوري خلال فترة البطولة، يبدو من الصعب التغاضي عن تقليص عدد الجماهير الحاضرة إلى أقصى حد ممكن بسبب الجائحة، فقد كانت الجماهير العنصر الأساسي في نجاح نسخة 1999 حيث شهدت المباريات وخاصة مباريات المنتخب المضيف حضورا جماهيريا رائعا، علما أن البطولة وقتها شهدت مشاركة 24 منتخبا تنافسوا في ثلاث مدن، هي القاهرة والإسماعيلية وبورسعيد.
وللتاريخ نذكر أنه كانت نسخة 1999 صنعت تاريخا لكونها أول بطولة كأس عالم لكرة اليد تقام في أفريقيا وثاني نسخة من البطولة تقام خارج القارة الأوروبية بعدما سبقتها نسخة 1997 التي استضافتها اليابان، ومن هنا تصبح النسخة الحالية محطة تاريخية لكونها الأولى بمشاركة 32 منتخبا، كما أنها ستجعل مصر أول دولة من خارج القارة الأوروبية تستضيف فعاليات البطولة مرتين، ولكن التحدي الحقيقي الآن سيكون للمنظمين أكثر منه للمنتخب المصري، لأن النجاح في هذه النسخة يعتمد في المقام الأول على مدى العبور بهذه البطولة إلى بر الأمان وسط تفاقم الجائحة عالميا، وكانت الرياضة المصرية حققت نجاحا في الشهور الماضية من خلال استئناف فعاليات الدوري المحلي لكرة القدم والعديد من الفعاليات المحلية والقارية رغم امتداد الجائحة منذ مارس الماضي، ولكن مونديال كرة اليد سيكون تحديا أكبر بالتأكيد في ظل كبر حجم الحدث ومشاركة منتخبات من مختلف القارات.
لفت انتباهي قول الدكتور حسن مصطفي رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد في كلمته في افتتاح البطولة: "اخترنا السيناريو الأصعب، ولم يكن قرارا سهلا، ولكننا تمسكنا بإقامة هذه البطولة لتكون بصيص من الأمل في مواجهة جائحة كورونا، التي أثرت على بطولات العالم الرياضية"، وأكد أن العالم الرياضي لا بد أن يتكيف مع الجائحة العالمية، والعمل بكل قوة من أجل تنظيم البطولات، وإقامة المنافسات، موضحا أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات ووضع الخطة الطبية اللازمة للخروج بالبطولة إلى بر الأمان، وقد شد انتباهي أكثر إشارته التي تحمل دلالا قوية على قبول مصر التحدي حين قال: إن مصر تمسكت بإقامة البطولة في موعدها لتوجيه رسالة للعالم كله في مواجهة كورونا، كما وجه مصطفى الشكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدعمه ومساندته لبطولة كأس العالم لكرة اليد.
وتبرز قوة إشارة "مصطفي" بقوله في نهاية كلمته : "أنا رئيس الاتحاد الدولي منذ 20 عاما، وأعتقد أنني لن أجد دولة أوروبية أو غير أوروبية تقبل هذا التحدي في ظل جائحة كورونا، وأعتقد أنها ستكون بطولة تاريخية، والجميع سيكون في حالة تركيز شديد من أجل متابعة البطولة"، مايعنى أن مصر وضعت على عاتقها تحمل تبعات بطولة دولية تقام على أرضها في لحظة تاريخية ربما لن تتكرر في المستقبل القريب، وهو ما يعكس الإرادة المصرية على مستوى رأس الدولة، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السياسي الذي وجه منذ شهور مضت بضرورة التأكيد على إقامة البطولة في موعدها، ومن هنا نثمن جهود سيادته الحثيثة، فضلا عن جهود الحكومة والقوات المسلحة، وكذلك المشاركين في أعمال التنظيم من أعضاء اللجان الفرعية، والشباب المتطوعين في مواقعهم لأداء المهام المطلوبة، للخروج بافتتاح البطولة الأكبر على مستوى العالم في كرة اليد في أفضل صورة.
ويبرز لنا في قلب تلك الملحمة المصرية الملهمة للمنطقة والعالم، أولا: أن استضافة الدولة المصرية لبطولة كأس العالم لكرة اليد في نسختها رقم 27 خلال الفترة من 13 إلى 31 يناير 2021، بمشاركة 32 دولة لأول مرة في تاريخ البطولة، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، جاء في ظل التحديات والظروف الراهنة من تفشي وباء كورونا في العالم أجمع، ما يؤكد مدى قوة الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها الدولة المصرية وتضافر الجهود لخروج البطولة بشكل يليق بحجم الدولة المصرية، ومكانة مصر، والرياضة المصرية.
ثانيا أن التنظيم الهائل والشكل المشرف للبطولة المقامة على أرض الدولة المصرية، يرجع بالأساس إلى الدعم الرئاسي الكبير المقدم من الرئيس السيسي للبطولة وتضافر مختلف جهود الدولة لإنجاحها، ولعل أكبر دليل على ذلك إشادة رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد بالتنظيم المبهر للبطولة المقامة على أرض مصر، ومن هنا فإن بطولة العالم لكرة اليد ستكون فرصة هائلة لكي يطلع العالم على حجم الإنجازات التي تقام على أرض الدولة المصرية وتحت سمائها، والمشروعات القومية الكبرى التي أنجزتها الدولة في شتى المجالات، برؤى وتوجيهات الرئيس السيسي وبكل حرفية ممكنة وغير مسبوقة.
ثالثا: إن إقامة البطولة في التوقيت الحالي خاصة في ظل تفشي وباء كورونا يعد انتصارا للأمن والاستقرار في مصر من جهة، وإرادة الدولة ودعم الرئيس السيسي لإقامة هذه البطولة الضخمة على أرض مصر من جهة أخرى، كما أن الحكومة المصرية لم تدخر جهدا لضمان نجاح البطولة، بعدما أصبحت الدولة المصرية تحظى بثقة دولية في تنظيم البطولات، لا سيما في ظل الظروف الحالية المتمثلة في تفشي فيروس كورونا المستجد، وقد جذبت هذه البطولة أنظار العالم، خاصة أنها انطلقت في نسختها الـ 27 في ظرف بالغ الحساسية من تفشي الموجة الثانية لكورونا في مختلف أرجاء العالم.
رابعا: يبدو واضحا جليا أن تنظيم مصر لبطولة كأس العالم لكرة اليد في هذا التوقيت بالتحديد مفاده إيصال رسالة للعالم أجمع بأن مصر تتحدى الصعاب ولن يوقفها أي شئ عن استكمال مسيرة التقدم والازدهار، وفي سبيل ذلك فقد اتخذت الدولة حزمة من الإجراءات القوية، وهناك جهود على الأرض الهدف منها سلامة الجميع وخروج كأس العالم لكرة اليد بالشكل اللائق والصورة المطلوبة، وفي قلب المشهد المصري الحضاري تبدو هناك ترتيبات بين جميع الهيئات والوزارات المختصة لضمان تحقيق ذلك، بداية من الوزارات مرورا بكل العالمين في مختلف هذه المؤسسات، وهناك حرص من الجميع على خروج البطولة بصورة مشرفة للرياضة المصرية.
ولعلي هنا أناشد المواطنين الالتزام بتنفيذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، وأطالب الجميع بأن يكون لهم دور في مساندة الجهود التي أقرتها الدولة لخروج البطولة بشكل يليق بحجم الدولة المصرية، وفى نفس الوقت لمنع تفشى الإصابات حتى لا يستغل البعض هذا الأمر ويشن هجومًا على مؤسسات الدولة.
خامسا : بالتأكيد هنالك أهداف مهمة ينبغي الإشارة إليها من خلال هذا النجاح المصري، وهى أولا : ضرورة تعظيم الاستفادة من البطولة والاستغلال الأمثل لها من خلال الترويج الجيد للمعالم السياحية والمقاصد الأثرية، وألا يقتصر الأمر على التنظيم فحسب، ولكن لابد أن يكون هناك استثمار جيد عائد من هذه البطولة.
وفي النهاية: ظني أن ما سبق من جهود مضنية من جانب الدولة المصرية على سبيل التحدي بإقامة مونديال كرة اليد يؤكد قوة هذا البلد ورسوخها على مستوى الجغرافيا السياسية كأكبر وأهم دول المنطقة، ومن المؤكد أن الكثيرين من حولنا يرون أن إقامة هذه البطولة وما يصاحبها من حضور رؤساء وممثلى دول من جميع أنحاء العالم، هو درب من المستحيل، ولا تستطيع دولة تحمل تبعاته مهما أوتيت من قوة، ولكن مصر دائما تستطيع.
ولكن يبقى لي القول بأننا نحن أمام رهان من النوع الثقيل، إذا نجحنا، وبإذن الله سوف يتم ذلك، فسوف نكون الدولة الوحيدة التى تحدت هذه الكورونا اللعينة، ونثبت للعالم أن لدينا من الإمكانات والإرادة الكثير، ونحن حينما نتكلم عن النجاح هنا ليس قصدنا الفوز بالبطولة أو إحراز مركز متقدم أو مردود مادى ومكاسب مالية من إقامة هذه البطولة، ولكن النجاح والفوز هنا هو القدرة على إقامة البطولة، ونستطيع حتى نهايتها المحافظة على اللاعبين والأجهزة وممثلى الدول الذى سوف يحضرون هذه البطولة دون إصابات.
حمى الله مصر من كل شر وسوء وأعانها على تحقيق النجاح في بطولة العالم لـ "كرة اليد" التي تعتبر واحدة من أقدم الألعاب الكروية في التاريخ وثاني لعبة شعبية؛ حيث مورست اللعبة في عهد الفراعنة القدامى وبشكل قريب من اللعبة الحالية لكرة اليد، فكما هو ثابت علي جدران المعابد الفرعونية أن قدماء المصريين مارسوا لعبة كرة اليد ولأول مرة في تاريخ البشرية يسمح للفتيات بممارستها، تماما كما مارسوا المصارعة والسباحة والجمباز والتجديف والفروسية وغيرها من رياضات كثيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة