عاد النبى محمد، عليه السلام، من رحلة الإسراء والمعراج، وصار لزاما عليه أن يخبر قومه بما رآه، علهم يهتدوا إلى الدين الحق، فما الذى يقوله التراث الإسلامي في ذلك؟
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير:
عاين (النبى محمد) فى تلك الليلة من الآيات والأمور التى لو رآها - أو بعضها - غيره لأصبح مندهشا أو طائش العقل، ولكنه ﷺ أصبح واجما -أي: ساكنا - يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه، فتلطف بإخبارهم أولا بأنه جاء بيت المقدس فى تلك الليلة وذلك أن أبا جهل - لعنه الله - رأى رسول الله ﷺ فى المسجد الحرام وهو جالس واجم.
فقال له: هل من خبر؟
فقال: نعم!
فقال: ما هو؟
فقال: إنى أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس.
قال: إلى بيت المقدس!
قال: نعم.
قال: أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم أتخبرهم بما أخبرتنى به؟
قال: نعم!
فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك وأراد رسول الله ﷺ جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم.
فقال أبو جهل: هيا معشر قريش وقد اجتمعوا من أنديتهم.
فقال: أخبر قومك بما أخبرتنى به.
فقص عليهم رسول الله ﷺ خبر ما رأى وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه، فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيبا له واستبعادا لخبره وطار الخبر بمكة وجاء الناس إلى أبى بكر رضى الله عنه فأخبروه أن محمدا ﷺ يقول كذا وكذا.
فقال: إنكم تكذبون عليه.
فقالوا: والله إنه ليقوله.
فقال: إن كان قاله فلقد صدق.
ثم جاء إلى رسول الله ﷺ وحوله مشركو قريش فسأله عن ذلك فأخبره فاستعلمه عن صفات بيت المقدس ليسمع المشركون ويعلموا صدقه فيما أخبرهم به.
وفى (الصحيح) أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك.
قال: فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس على بعض الشيء، فجلى الله لى بيت المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم.
فقال: أما الصفة: فقد أصاب.
وذكر ابن إسحاق ما تقدم من إخباره لهم بمروره بعيرهم وما كان من شربه مائهم، فأقام الله عليهم الحجة واستنارت لهم المحجة، فآمن من آمن على يقين من ربه وكفر من كفر بعد قيام الحجة عليه.
كما قال الله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء: 60] أي: اختبارا لهم وامتحانا.
قال ابن عباس: هى رؤيا عين أُريها رسول الله ﷺ وهذا مذهب جمهور السلف والخلف من أن الإسراء كان ببدنه وروحه صلوات الله وسلامه عليه كما دل على ذلك ظاهر السياقات من ركوبه وصعوده فى المعراج وغير ذلك.
ولهذا قال فقال: "سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ } [الإسراء: 1] والتسبيح إنما يكون عند الآيات العظيمة الخارقة فدلَّ على أنه بالروح والجسد والعبد عبارة عنهما..
وأيضا فلو كان مناما لما بادر كفار قريش إلى التكذيب به والاستبعاد له إذ ليس فى ذلك كبير أمر، فدلَّ على أنه أخبرهم بأنه أسرى به يقظة لا مناما.
وقوله فى حديث شريك عن أنس: ثم استيقظت فإذا أنا فى الحجر معدود فى غلطات شريك أو محمول على أن الانتقال من حال إلى حال يسمى يقظة كما سيأتى فى حديث عائشة رضى الله عنها حين ذهب رسول الله ﷺ الطائف فكذبوه، قال: فرجعت مهموما فلم استفق إلا بقرن الثعالب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة