منذ بداية التاريخ البشرى يتجسس الناس على بعضهم البعض لمعرف ماذا يفعلون أو يخططون، وكانوا يقومون بالمراقبة والتصنت باستخدام أدوات شهدت تحسنا مستمرا لكنها لم تتخلى أبدا عمن يشغلها من البشر، لكن الذكاء الاصطناعى والأنظمة الأتوماتيكية تغير كل هذا، بحسب ما جاء فى تقرير لمجلة فورين أفيرز الأمريكية الدورية.
وتقول المجلة إنه فى المستقبل، ستتجسس الآلات على الآلات من أجل معرفة ماذا تفعل تلك الآلات أو تخطط لفعله، وسيظل عمل الاستخبارات قائم على سرقة وحماية الأسرار، لكن الكيفية التى سيتم بها جمع وتحليل ونشر تلك الأسرار ستكون مختلفة بشكل جذرى.
وقد أدرك العسكريون المتنبؤن بالمستقبل بحدوث تغيير كبير مشابه، ووصف بعضهم صعود أنظمة الذكاء الاصطناعى والأسلحة التى تعمل ذاتيا بأنها ثورة فى الشأن العسكرى، ويمكن فهم نظيرها فى الاستخبارات على أنه ثورة فى شئون المخابرات.
وفى المستقبل القريب، ستصبح الآلات أكثر من مجرد أدوات لجمع وتحليل المعلومات، ولكنها ستصبح مستهلكة للاستخبارات وأيضًا صانعة قرار، وحتى هدف لآلات الاستخبارات الأخرى، وسيظل الشغل الشاعل لهذه الآلاف هو العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية بين البشر، لكن الذكاء الذى يحرك هذه الآلة سيعمل بسرعة وحجم وتعقيد هائل بحيث لا يمكن للذكاء الذى يحرك الإنسان عير قادر على مواكبته.
ولا يوجد ما يوقف تلك الثورة فى شئون الاستخبارات، فالابتكار التكنولوجى والمنافسة قد أطلقا العنان لها بالفعل فى العالم، ويجب على المخابرات الأمريكية، بحسب ما تقول فورين أفيرز، أن تحتضن هذه الثورة وتستعد لمستقبل يسيطر عليه الذكاء الاصناعى إلا ستخاطر بفقدان ميزتها التنافسية.
ويلفت تقرير فورين أفيرز إلى أن الثورة فى عالم الاستخبارات لم تأت من العدم، بل تعود إلى القرن العشرين عندما جلبت التقنيات الجديدة مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والحوسبة وتقنيات الذكاء الصناعى إلى تطور جديد، وأصبح البشر يعتمدون على أجهزة استشعار وأدوات حاسوبية قوية بشكل متزايد لتعزيز قدراتهم.
وعلى مدار السنوات العشرين الماضية، تسارع هذا الاتجاه مما أدى إلى زيادة هائلة فى كمية البيانات المتاحة لوكالات الاستخبارات، فأجهزة الاستشعار السرية والتجارية بدءا من الروبوتات إلى الطائرات بدون طيار ذاتية التحكم والأقمار الصناعية الصغير فى الفضاء تنتح الآن معلومات أكثر مما يمكن للبشر فهمه بمفرده.
وفى عام 2017، توقعت وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية فى الولايات المتحدة، أن البيانات التى تحللها ستزيد مليون ضعف فى غضون خمس سنوات، وأدى وجود الكثير من البيانات بهذه السرعة إلى منافسة شرسة لفهم كل هذا، وهى الديناميكية التى أدت بدورها إلى تبنى نظام الأتمتة وتحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعى، وأصبحت الدول التى تستطيع وكالاتها الاستخباراتية معالجة كميات هائلة من البيانات المعقدة بسرعة لها ميزة عن تلك التى لا تستطيع.
وتقول فورين أفيرز إنه بعدما أصبحت الآلات هى التى تقوم بالدور الرئيسى فى جمع وتحليل واستهلاك المعلومات الاستخباراتية، فإن كامل الاستخبارات الأمريكية بحاجة إلى التطور، والذى يجب أن يبدأ باستثمارات هائلة فى الذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا الأتمتة وأيضا تغييرات فى مفاهيم العملية التى تمكن الوكالات من معالجة كميات هائلة من البيانات ونقل المعلومات الاستخباراتية الناتجة مباشرة إلى الآلاف التى تعمل بشكل ذاتى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة