لا يزال فيروس كورونا المستجد يهدد العالم حتى يتوصل العلماء إلى مصل أو لقاح للوقاية من هذا الفيروس القاتل، الذى حصد ما يقرب من مليون روح حتى الآن، وأصاب أكثر من 31 مليون شخص حول العالم، ولا تزال التجارب المعملية تجرى من أجل التوصل للقاح من للحد من هذا الخاطر الذى يهدد حياة العالم.
وعلى مدار التاريخ شكلت الأوبئة خطرا دمر العديد من الإمبراطوريات والحضارات الكبيرة، وتسبب فى انهزام جيوش، وتوقف انتصارات وفتوحات ضخمة غيرت من شكل التاريخ، من بينها تأثيره على الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
وبسحب كتاب "عودة الموت الأسود.. أخطر قاتل على مر العصور" تأليف سوزان سكوت وكريستوفر دنكان، شكلت ألمانيا الحالية والنمسا وبوهيميا وهولندا وسويسرا جزءًا كبيرًا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة إبَّان عصر الطاعون. على مدار المائتى عام التى تلت الموت الأسود، كان عدد محدود من حالات الطاعون يظهر على نحو متقطع فى أنحاء المنطقة، وحتمًا وصلت هذه الحالات عن طريق مسافرين مصابين وافدين من فرنسا. كان الاستثناء الوحيد هو الثلاث السنوات التى تخللت عامى 1462 و1465، عندما استشرت أوبئة مريعة أودت بحياة الآلاف فى مدن شديدة التباعد فى ألمانيا. وهنا دليل آخر يوضح أن الطاعون كان يظهر دون سابق إنذار فى كل أنحاء المكان. وكما هو الحال مع بقية أوروبا، يكمن التفسير فى التوسع التِّجارى وانتقال التجار المصابين المزاولين أعمالهم كالمعتاد.
على مدار مائة عام عقب الموت الأسود، كانت هناك مجموعة من البلدات فى الشمال تتصدر قائمة أكثر الأماكن التى وردت أنباءٌ عن تكرار ظهور الطاعون بها، كانت هامبورج ميناء كبيرًا على نهر إلبه وكانت بالفعل بلدة تِجارية مزدهرة بحلول القرن الثالث عشر، وكان ميناء لوبيك هو المنفذ الرئيسى لتجارة بحر البلطيق.
عقب عام 1450، انتشرت الأماكن التى سُجلت فيها أوبئة متكررة جنوبًا بمحاذاة طريق التجارة الرئيسى للعصور الوسطى: لوبيك – هامبورج – ماجديبورج – نورنبرج – أوجسبورج. كان الطاعون يضرب هذه الأماكن على نحو متكرر وعنيف؛ ومن ثَمَّ ساد «الموت المرعب فى كل الأرجاء فى البلدات والريف»، وأُلغيت المهرجانات، وتفاقمت المعاناة بانتشار مجاعة. ها هى القصة نفسها تتكرر مرة أخرى: بؤس ورعب وموت. وسرعان ما تعلمت الطبقات الثرية ترك البلدات، إلا أن أغلب السكان لم يَكُنْ لديهم رفاهية هذا الاختيار.
تغير الموقف بعد عام 1450 واستمر حتى عام 1670، استمر الطاعون فى الاستشراء على نطاق واسع، وكانت الأوبئة لا تزال تحدث فى البلدات الشمالية، إلا أن موضع تمركزها الأساسى حيث يوجد أكبر عدد من الأوبئة أصبح حينذاك فى الجنوب الغربى حيث تصدرت بازل وجنيف قوائم الأماكن الأكثر إصابة، بالإضافة إلى بأوجسبورج وبلدات أخرى على طريق التجارة المؤدى إلى ميلانو وإنسبروك والبندقية.
كما رأينا، احتلت جنيف مكانًا مركزيًّا فى أوروبا، وكانت نقطة تمركز مثالية لأوبئة الطاعون. وكانت أوجسبورج مدينة مهمة؛ فهى مقر الكرسى البابوي، وموطن التجار والمصرفيين النبلاء، ومركز هائل لتجارة أوروبا الشمالية والبحر المتوسط والشرق.
أما بازل فقد كانت ميناءً نهريًّا كبيرًا يقع على نهر الراين، وكانت منفذ سويسرا الوحيد إلى البحر، ونهاية ملاحة نهر الراين، ولقرون عديدة كان جسر ميتلير بروك فى بازل هو الجسر الوحيد على نهر الراين. كانت المدينة مركزًا تِجاريًّا مزدحمًا. عانت بازل من وباء استمر ١٥ شهرًا فى الفترة ما بين 1610 و1611 عندما أُصيب بالمرض نحو 6 آلاف مواطن، من إجمالى السكان البالغ عددهم 15 ألف مواطن، ومات نحو 3600. هل هذا دليل على أنه بمرور العقود تعافى المزيد من الأفراد من عدوى الطاعون؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة