نجيب محفوظ 37 سنة خدمة فى وظائف الدولة.. بدأ موظفا بالجامعة وفصل منها.. عمل سكرتيرا برلمانيا وأخفى موهبته الأدبية.. شخصيات رواياته قابلهم فى العمل وملفه خالٍ من الجزاءات.. وشعر بالسعادة لخروجه على المعاش

الأحد، 30 أغسطس 2020 03:23 م
نجيب محفوظ 37 سنة خدمة فى وظائف الدولة.. بدأ موظفا بالجامعة وفصل منها.. عمل سكرتيرا برلمانيا وأخفى موهبته الأدبية.. شخصيات رواياته قابلهم فى العمل وملفه خالٍ من الجزاءات.. وشعر بالسعادة لخروجه على المعاش الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أعطتنى حياتى فى الوظيفة مادة إنسانية عظيمة، وأمدتنى بنماذج بشرية لها أكثر من أثر فى كتاباتى، ولكن الوظيفة نفسها كنظام حياة وطريقة لكسب الرزق، لها أثر ضار أو يبدو كذلك، فلقد أخذت الوظيفة نصف يومى ولمدة 37 سنة، وفى هذا ظلم كبير، ولكن الوظيفة فى الوقت نفسه علمتنى النظام، والحرص على أن أستغل بقية يومى فى العمل الأدبى قراءة وكتابة، وجعلتنى أقضى كل دقيقة فى حياتى بطريقة منظمة، وهذا فى تصورى هو أثر إيجابى للوظيفة فى ظل المجتمع الذى نعيش فيه".. هكذا تحدث الأديب العالمى الراحل "نجيب محفوظ" عن حياته الوظيفية التى استمرت لسنوات عدة من موظف بالأوقاف إلى رقيب على المصنفات الفنية ختامًا برئيس لجهاز السينما قبل خروجه إلى المعاش.
 
تدرج الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله الرابعة عشرة إذ توفى فى 30 أغسطس سنة 2006، عن عمر يناهز 94 عاما، فى العديد من الوظائف الإدارية سواء كانت فى وزارة الأوقاف أو مجلس النواب وإدارة الجامعة، وكان من حظه أن التقى عائلات قديمة فى وزارة الأوقاف تبحث عن مستحقاتها، وعرف كيف تدار الصراعات الحزبية حسبما شاهدها أمام عينه فى مجلس النواب، كثير من هؤلاء كانوا أبطالاً لروايته الأدبية.
 
552201708301219191919
 
 

البداية فى الجامعة

 
بدأ محفوظ مشواره الوظيفي عام 1934، حينما سعى والده لتعيينه كاتباً بالجامعة المصرية، وتبدو السنوات الخمس التي قضاها موظفاً بالجامعة هادئة، فسجله الوظيفي يخلو من أي جزاءات، وتقاريره السرية تؤكد كفاءته، لكنها انتهت بفصله، وجاء قرار الفصل موقعاً من قبل السكرتير العام للجامعة، بتاريخ 13 فبراير 1939، والسبب تعيينه مراجعاً بقسم الإدارة والمحفوظات بوزارة الأوقاف، وهي الوظيفة الثانية التي انتقل إليها كسكرتير برلماني للوزير، ومكث بها 17 عاماً، بعدما اختاره وزير الأوقاف حينذاك الشيخ مصطفى عبد القادر بنفسه. وخلال عمله في الأوقاف، كان على محفوظ أن يخفى هويته كمؤلف، بناء على نصيحة الكاتب كامل الكيلاني الذي سبقه للعمل بالوزارة، وأن يخفى انتماءاته السياسية الوفدية أيضاً.
 
ثم جاءت المحطة الثالثة في مشواره الوظيفي عام 1957، حينما انتقل للعمل بمصلحة الفنون بوزارة الإرشاد القومي (وزارة الثقافة)، التي تولى فيها عدة مناصب مهمة، منها مدير الرقابة. وكان قد اختاره للعمل معه الأديب يحيى حقي الذي عينه مديراً لمراقبة السينما والسيناريو.
 وفي الوقت نفسه، اتخذ محفوظ قراراً لافتاً بأن يتوقف عن كتابة السيناريو لأي من شركات السينما التي اعتادت أن يكتب لها قبل اختياره لهذا المنصب الجديد، حتى ينأى بنفسه عن أي شبهات.
 
2014-07-14_00121
 
 

ملف الوظيفى يكشف خلو سجله من الجزاءات

وكشف الملف  الوظيفى لأديب نوبل أن نجيب محفوظ رغم إجادته وظائفه، وحصوله في جميع الأعوام على تقدير 100% إلا في عام واحد حصل على 94%، وخلا سجله كموظف من أي جزاءات أو عقاب، كما دلت التقارير السرية التي حصل عليها المؤلف، إلا أن الأديب العالمي كان منذ مطلع ستينات القرن الماضي، يحلم بالتقاعد المبكر قبل 10 سنوات من بلوغه السن القانونية المحددة لذلك، ليتفرغ للأدب، لأن التفرغ بالنسبة للأديب عبارة عن خلق جديد لمنوال جديد يسير عليه، ولأن كل أديب صادق محب للأدب لا يمكن إلا أن تكون أمنيته أن يتفرغ لهذا الأدب الذي يحبه، حسبما جاء فى كتاب «نجيب محفوظ بختم النسر - سيرة تروى كاملة لأول مرة»، للكاتب الصحافي رئيس تحرير«أخبار الأدب» طارق الطاهر.
 
على مستوى التكوين الشخصي، كشفت الأوراق أن نجيب محفوظ الموظف، يمتلك كل سمات الموظف التقليدي المحافظ، على عكس حالة التمرد في رواياته، فقد أخفى محفوظ حقيقة كونه متزوجاً عن المجتمع لأسباب لم تتكشف بعد، وحين سألته مجلة «الكواكب» في 26 أكتوبر 1960 «ألا يجدر بك أن تستقر وأن تبحث عن بنت الحلال وتتزوج»، أجابها محفوظ «يكفيني أنني سعيد بعملي الجديد غاية السعادة»، بينما قالت الأوراق الرسمية الممهورة بختم النسر، واستمارة التأمين والمعاشات الموقع عليها من محفوظ، ورئيسه المباشر في تلك الفترة، إنه متزوج ولديه بنت اسمها فاطمة، كما كشفت أيضاً أن محفوظ وعلى عكس ما روجت كتابات صحافية كثيرة عن عدم مغادرته مصر في حياته، قد سافر إلى يوغسلافيا، واليمن، ولندن.
 
18035-نجيب
 
 

مواقفه مع الوظيفة

وبحسب كتاب "نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء على أدبه وحياته" للكاتب والناقد الراحل رجاء النقاش، يقول "محفوظ"، كنت أرد على مشاكل الناس التى تصل إلى وزير الأوقاف مباشرة أو عن طريق النواب، ولاحظت كم أن الحزبية والمصالح الشخصية تتداخل بشكل سافر يضر بمصالح الناس، أما فى إدارة الجامعة فقد اصطدمت بنماذج بشرية أخرى، فبطل "القاهرة الجديدة" عرفته وهو طالب وتتبعته إلى أن حصل على وظيفة، ولكن "سقوطه" بدأ وهو طالب، وبطل "خان الخليلى" كان زميلاً لنا فى إدارة الجامعة اسمه أحمد عاكف، وقد جاء يشكرنى بعد قراءته للرواية على محبتى له، للدرجة التى جعلتنى أطلق اسمه على بطل الرواية.
 
فى عام 1959 تغيرت ملامح حياة كاتبنا الراحل، فبعد نجاح كبير فى كتابة السيناريو لعدد من أنجح الأفلام السينمائية مثل "ريا وسكينة"، الوحش وإحنا التلامذة" أثناء فترة عمله كموظف أو سكرتير لمكتب على عبد الرازق، تم ترشيحه لشغل منصب مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية وذلك بناء على ترشيح من الدكتور ثروت عكاشة آنذاك، وكان قبلها انتدب "محفوظ" مديرًا لمكتب يحيى حقى مدير مصلحة الفنون فى ذلك التوقيت.
 

 نجيب محفوظ رقيبا

 ويقول محفوظ عن دور الرقابة "إن الرقابة كما فهمتها ليست فنية ولا تتعرض للفن أو قيمته، ووظيفتها ببساطة هى أن تحمى سياسة الدولة العليا وتمنع الدخول فى مشاكل دينية قد تؤدى إلى الفتنة".
 
أما عن أبرز المواقف التى واجهت صاحب "نوبل" أثناء عمله بالرقابة، فكانت من بينها أنه فوجئ بمراقب الأغانى يمنع أغنية "يا مصطفى" والتى تقول كلماتها "يا مصطفى يا مصطفى/ أنا بحبك يا مصطفى/ سبع سنين فى العطارين".
 
ويأتى سبب الرفض كما ذكره محفوظ فى حواره مع الناقد الراحل "رجاء النقاش" أن المراقب قال إن مؤلف الأغنية يقصد مصطفى النحاس وأن "سبع سنين" الواردة فى الأغنية تشير إلى مرور سبع سنوات على الثورة، وهنا علق محفوظ موضحًا: "إلى هذا الحد من ضيق الأفق كانت العقليات التى تعمل فى جهاز الرقابة".
 
أما التى كانت بتدخل شخصى من "محفوظ" فاختلافه مع مدير الرقابة على الأفلام محمد على ناصف لأنه سمح بعرض فيلم سينمائى أجنبى يسيء لليابان، وكان احتاجاجه بحجة أن اليابان ساندت مصر ضد الولايات المتحدة وتعتبر دولة فى موقع الرضا والصداقة، وبالفعل تم وقف عرض الفيلم بعد احتجاج السفير اليابانى لـ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذى أمر بوقف عرضه مباشرة.
 
وفى موقف آخر قام "محفوظ" بحذف بعض الأغانى للمطربة صباح من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب رأى أنها تؤديها بطريقة مثيرة.
استمر كاتبنا الراحل مديرًا عامًا للرقابة على المصنفات الفنية طيلة عام ونصف إلى أن تولى منصب رئيس جهاز السينما، والذى استمر به حتى خروجه إلى لمعاش عام 1971.
 
ويقول "محفوظ": ظللت فى موقعى كرقيب لمدة عام ونصف تقريبًا، وجاء خروجى منه كنتيجة أزمة رواية "أولاد حارتنا"، وتابع "ففى مجلس الوزراء شن الدكتور حسن عباس حلمى وزير الاقتصاد وقتها حملة على الدكتور ثروت عكاشة كانت وجهة نظر الأول أن "عكاشة" أسند مهمة الرقابة لرجل "متهم فى عقيدته الدينية".
 
وهو الأمر الذى جعل الدكتور ثروث عكاشة بطلب من الأديب الراحل ترك الرقابة والانتقال إلى رئاسة دعم السينما والتى كان تحت الإنشاء حينها.
 

المعاش

طيلة 37 عامًا، ظل نجيب محفوظ داخل أررقة أجهزة الدولة، انتهت بخروجه إلى المعاش، وعن إحساسه فى ذلك الوقت يقول فى محفوظ فى كتاب "أنا نجيب محفوظ: سيرة حياة كاملة" للكاتب إبراهيم عبد العزيز: إن إحساسى بالمعاش، كان الترحيب والتفاؤل والسعادة، وقد يبدو غريبًا فالموظف المحال على المعاش تعتريه كآبة من نوع خاص، لكنى أحس أن المعاش استمرار لحياتى العملية، بعد أن أتمتع بميزتين، أولاهما الحرية وثانيها التوحد للفن، أنا متلهف على التحلل من ذلك النظام الرهيب القاسى على فرضته على نفسى وأنا موظف، بل إننى لم أرتاح لفكرة مد الخدمة".









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة