نقرأ معا كتاب القربان لـ مارسيل موس وهنرى هوبير، والذى يبحث في أصل الأضحية حسب الدراسات الأنثروبولوجية التى تمتد لدراسة حياة الإنسان القديمة ومعرفة طقوسه.
ويقول "مصطفى العوزى" فى دراسته عن الكتاب التى نشرها فى مؤسسة مؤمنون بلا حدود "منذ البداية يبرر الباحثان سبب اختيارهما لهذا الموضوع مادة للبحث الأنثروبولوجى، فيؤكدان على أنّ الغرض من ذلك هو فهم طبيعة الأضحية لدى المجتمعات الإنسانية بما فيها تلك القديمة، وأيضًا إدراك الوظيفة، أو بالأحرى الوظائف المتعددة لهذه الشعيرة فى حياة الجماعات والأفراد النفسية والاجتماعية، ويشيران إلى أنّ هذا العمل قد تأثر بأعمال سابقة تناولت الموضوع نفسه وهى تلك التى قام بها كل من Taylor تايلور، robertson Smith سميت، Frazer فريزر، غير أنّ الجديد هو تقديم نظرية جديدة تفسر هذا الموضوع الشاسع والمعقد إلى حد بعيد، وتشكل فى الآن نفسه تجاوزًا للمدرسة الأنثروبولوجية الإنجليزية وخصوصًا نظرية "R.smith" قصدنا فى هذا العمل أن نعرف بالطبيعة والوظيفة الاجتماعية للتضحية، المشروع كان سيكون طموحًا إذا لم يكن قد هيئ بتوجيه من أبحاث Taylor تايلور، robertson Smith سميت، Frazer فريزر، نعرف جميعًا ما نحن مدينون به لهم، لكن دراسات أخرى ستمكننا من اقتراح نظرية مختلفة لما جاؤوا به، وهى كما يبدو لنا أكثر إدراكًا".
بينما جاء فى مقدمة الكتاب:
نقترح فى هذا العمل تحديد طبيعة القُرْبَان ووظيفته الاجتماعيّة، وهو مسعى كاد يكون مجرّد طموح لولا بحوث تايلور (Tylor)، وروبرتسون سميث (Robertson Smith) وفريزر (Frazer) التى مهّدت له. ونحن معترفون بما لهم فى رقبتنا من دين. ولكنّ دراسات أخرى تسمح لنا باقتراح نظريّة مختلفة عن نظريّتهم وتبدو لنا أكثر تفهّمًا. ونحن لا نطمح إلى تقديمها إلاّ على سبيل فرضيّة مؤقّتة؛ إذ لا يمكن لأى معلومات جديدة حول موضوع واسع ومعقّد مثل موضوعنا، إلاّ أن تؤدّى فى المستقبل إلى تغيير أفكارنا الحاليّة. ورغم هذه التحفظّات الصريحة، فإنّنا نظنّ أنّه من المفيد تنظيم ما يتوفّر لدينا من وقائع وتقديم تصوّر عامّ بشأنها.
ومهما كانت أهميّة تاريخ التصوّرات القديمة والشعبيّة حول "القُرْبَان-الهبة" و"لقُرْبَان-الطعام" و"القُرْبَان-العَقْد"، ودراسة ما قد أحدثته من انعكاسات سلبيّة على الشعيرة، فإنّنا لن نتوقّف عندها مهما كانت فائدة ذلك. فالنظريّات المتعلّقة بالقُرْبَان قديمة قدم الأديان ذاتها، لكن العثور على نظريّات ذات طابع علمى لا يعود إلاّ لسنوات قليلة وبعد أن نشأت المدرسة الإناسيّة وخاصّة ممثّليها الإنكليز، إذ هى صاحبة الفضل فى نشوء نظريّات علميّة.
فمن خلال استلهام كلّ من باستيان (Bastian) وسبنسر (Spencer) وداروين (Darwin)، أمكن لتايلور ([1]) عبر مقارنة وقائع تنتمى إلى أجناس وحضارات مختلفة، تخيّل كيفيّة نشأة أشكال القُرْبَان. فقد كان القُرْبَان فى الأصل، وفق هذا المؤلف، هبة يقدّمها الإنسان البرّى إلى كائنات فوق طبيعيّة يحتاج الارتباط بها. ثمّ، عندما كبرت الآلهة وابتعدت عن الإنسان، فإنّ الحاجة إلى مواصلة تقديم تلك الهبة، ولّدت الطقوس القُرْبَانيّة من أجل وصول الأشياء المروحنة إلى تلك الكائنات الروحانيّة. وقد حلّ الإعظام محلّ الهبة، وفيه لا يعبّر المؤمن أبدًا عن انتظاره مقابلًا لذلك. وبهذا لم تعد تنقص الهبة لكى تغدو إيثارًا وتفانيًا سوى خطوة وحيدة؛ وبهذا أدّى التطوّر إلى انتقال الطقس من تقدمات إنسان برّى إلى التضحية بالنفس. – ولكن إذا كانت هذه النظريّة تصف مراحل التطوّر الأخلاقى للظاهرة على نحو كافٍ، إلاّ أنّها لا تفسّر إواليّة عمل الطقس، ولا تقوم فى الواقع إلاّ بإعادة إنتاج التصوّرات الشعبيّة القديمة فى قالب خطاب بليغ. غير أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ لها فى حدّ ذاتها، نصيب من الحقيقة التاريخيّة. فمن المؤكّد أنّ التضحيات كانت فى العادة وإلى حدّ ما، هبات ([2]) تمنح المؤمن حقوقًا على إلهه. كما تصلح أيضًا لإطعام الآلهة. إلاّ أنّه لا يكفى بيان الواقعة، بل ينبغى إدراكها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة