عاد تمثال الموسيقار العراقى عثمان الموصلى إلى مكانه من جديد فى مدينة الموصل، بعد 5 أعوام، بعدما هدمه تنظيم داعش الإرهابى خلال دخوله إلى مدينة الموصل فى يونيو 2014.
ولد الملا عثمان بن الحاج عبد الله عام 1854 فى مدينة الموصل، عندما كان العراق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، فى بيت قديم لعائلة فقيرة جدا، فقد كان والده سقاء يجلب الماء العذب من نهر دجلة، حسب ما جاء بروسيا اليوم، وعندما كان عثمان فى السابعة من عمره أصيب والده بمرض لم يمهله سوى بضعة أيام حتى توفى تاركا أولاده برعاية أمهم المعدمة التى عملت خادمة لدى محمود أفندى العمرى، سليل عائلة العمرى، أعرق عوائل العراق وشقيق عبد الباقى العمرى، الشاعر العربى الشهير فى القرن التاسع عشر.
ولم تكن هذه نهاية كوارث عثمان فقد غزا وباء الجدرى المدينة فى نفس السنة طاحنا الكثير من سكانها، ولم يرحم عثمان فقد أصابه ليشوه وجهه ويفقده بصره ليغرق فى عالم الظلام لبقية حياته.
احتضنت عائلة العمرى عثمان وحرصت على تعليمه القرآن الكريم والشعر والموسيقى، وقد ساعد عثمان فى التفوق فى هذه الميادين حدة ذكائه وصوته الجميل وقابليته للحفظ غير العادية، أذهلت كل من عرفه وجعلته متفوقا دائما على أقرانه.
كانت بغداد نقطة تحول بارزة فى مسيرة عثمان، ففيها تتلمذ على يد رحمة الله شلتاغ، سيد المقام العراقى آنذاك ومبتكر مقام التفليس، وعلى يد آخرين، وفيها خاض أول تجربة سياسية له، فقد انتقد الدولة العثمانية فى خطبة له أدت إلى نفيه إلى سيواس فى تركيا عام 1886 لفترة قصيرة، ليعود بعدها إلى الموصل وفيها تابع دراسة قراءة القرآن الكريم وانضم إلى الطريقة القادرية الصوفية، التى تخرج على يدها الكثير من القراء المعروفين فى الموصل، وانضم بعد ذلك إلى الطرق الصوفية الرفاعية والمولوية.
لقد تميزت أغلب الطرق الصوفية بميزتين أساسيتين أولاهما استعمال الموسيقى فى نشاطاتها منذ القرن التاسع الميلادى، وتطورت فى هذا لتكون مدارس متميزة فى الموسيقى والغناء وذات تأثير واضح على موسيقى الشرق الأوسط، وقد ظهرت نشاطات مشابهة لدى الرهبان المسيحيين فى أوروبا فى العصور الوسطى، وتطور هذا بشكل بارز فاستعانت الكنيسة المسيحية بأبرز الموسيقيين آنذاك مثل يوهان سباستيان باخ، ولا تزال الموسيقى جزءا أساسيا فى النشاط الكنسى.
انتقل عثمان إلى اسطنبول وبرز فيها بسرعة ليصبح أشهر قارئ للقرآن وملحن ومغن فيها، وانتشر اسمه فى كل مكان حتى سمع عنه السلطان عبد الحميد فجلبه إلى قصره عن طريق القبض عليه ليسمعه شيئا من أغانيه.
وبرع عثمان فى أدائه وكرر زيارة قصر السلطان عدة مرات، بل أنه قام بالغناء أمام حريم القصر، وتطور الأمر ليقوم عثمان بمهام رسمية للسلطان عبد الحميد.
عرف عن عثمان قابليته على التعرف على الرجال من لمس أياديهم، وله فى هذا أمثلة كثيرة، كما عرف عنه تمييزه للنساء من مشيتهن، ومن طرائفه أنه كان يعظ فى مسجد فى اسطنبول عام 1905 وعندما أطال وأسهب نبهه بعض معارفه من وجهاء العراق بوجودهم فقال منغما فى أثناء ترتيله 'يا فؤاد، يا موسى، يا وفيق، إننى انتهى قريباً، فانتظرونى".
وكان عثمان ناشرا معروفا للكتب وأشهرها: الأبكار الحسان فى مدح سيد الأكوان (1895)، تخميس لامية البوصيرى (1895)، المراثى الموصلية فى العلماء المصرية (1897)، مجموعة سعادة الدارين (1898)، الأجوبة العراقية لأبى الثناء الآلوسى (1890) والترياق الفاروقى وهو ديوان عبد الباقى العمرى (1898).
ونشر كتبا لغيره مثل "حل الرموز وكشف الكنوز" وقام بإصدار مجلة فى مصر تدعى "مجلة المعارف" وفتح دكانا فى اسطنبول لبيع الكتب، ليتوفى فى بغداد فى الثلاثين من يناير عام 1923.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة