"العداء لإسرائيل" كان الشعار الذى رفعه العرب، منذ تأسيسها في 1948، وهو ما يجد أسبابه المنطقية، التي يقبلها العقل، في ظل نزعتها التوسعية، والتي انطلقت من الاستيلاء على أراضى فلسطين، وتمددها إلى دول أخرى، في مصر وسوريا ولبنان، مما دفع المنطقة إلى العديد من الحروب، التي استثمرتها الدولة العبرية، لتصنع أسطورة من خيال "الجيش الذى لا يقهر"، حتى قهرتها الإرادة المصرية في 1973، لتثأر لدماء المصريين والعرب التي سالت لعقود دفاعا عن الأرض والقضية والمقدسات العربية، التي انتهكتها دولة الاحتلال.
وكما استثمرت إسرائيل انتصاراتها العسكرية، والتي تكسرت تماما عند أقدام المصريين في 1973، لتصنع أسطورة جيشها الوهمية، نجحت كذلك في استثمار حالة العداء العربى تجاهها، لتصنع من نفسها "الواحة المضطهدة"، المحاطة بأعدائها، فأصبح الكيان العبرى بمثابة الطرف القوى القادر على فرض كلمته على المنطقة بأسرها، بفضل قوته العسكرية، واستخدامه المفرط لها، من جانب، بينما حظت انتهاكاتها بـ"الشرعية الدولية"، على اعتبار أنها تأتى في إطار الدفاع عن النفس، في مواجهة الأعداء.
ولعل الرئيس الراحل أنور السادات كان أول من أدرك الرؤية الإسرائيلية في إدارة المعركة مع العرب، لذا اتخذ قراره بـ"السلام"، باعتباره السبيل الوحيد، ليس فقط لاستعادة كل الأراضى المصرية، وإنما أيضا لكسر ما يمكننا تسميته بـ"المظلومية" الإسرائيلية، والتي طالما روجت لها الدولة العبرية لتبرير انتهاكاتها، في الوقت الذى ثارت فيه الدول العربية على مصر، وعلى رأسهم الفلسطينيين أنفسهم، على اعتبار أن السلام مع إسرائيل يمثل تخليا عن القضية المركزية للعرب، والمقدسات الإسلامية.
ربما كان إصرار الفلسطينيين، ومن ورائهم قطاع كبير من الدول العربية، على موقفهم المعادى لإسرائيل، يجد ما يبرره، فى ضوء حقيقة مفادها انعدام، أو بالأحرى محدودية التهديدات الأخرى، خلال تلك الفترة، فالإرهاب لم يخرج عن كونه ظاهرة محلية، هنا أو هناك، وبالتالي كان يمكن للدول، عبر جهودها المنفردة السيطرة عليه، بينما لم تكن هناك طموحات كبيرة للقوى الإقليمية الأخرى، ذات التاريخ التوسعى، على غرار إيران، والتي لعبت، في عهد الشاه، دورا لا يمكن إنكاره لدعم مصر إبان معركتها العسكرية في 1973، أو تركيا، والتى لم تكن قد تخلت بعد عن نهج الحياد الذى أرساه الزعيم التاريخى لها مصطفى كمال أتاتورك.
وهنا يمكننا القول بأن الظروف الدولية والإقليمية، في الوقت الراهن، شهدت تغييرا جذريا، في ظل التهديدات التي تمثلها القوى التوسعية الأخرى في المنطقة، والتي تبرز أطماعها في العديد من الدول، من بينها ليبيا واليمن وسوريا والعراق، بالإضافة إلى لبنان، بينما يبقى تنامى التنظيمات الإرهابية، والتي تحولت إلى كيانات "عابرة للدول"، على غرار داعش والقاعدة وغيرها، يفرض قدرا من المرونة في التعامل مع كافة الأطراف، على الأقل مرحليا، للتماشى مع الظروف الراهنة.
ولا تقتصر أهمية السياسات المرنة في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية، والمتمثلة في إسرائيل وحلفائها الغربيين، على مجرد تقليص جبهات المواجهات الراهنة، وإنما تمثل في ذاتها سلاحا لمواجهة الإدعاءات الإسرائيلية، وعلى رأسها قناع "المظلومية"، والذى استخدمته الدولة العبرية كثيرا لتقويض حقوق العرب، ولمواصلة انتهاكاتها، لتحقيق أحلامها التوسعية، وهو ما يبدو في مخططات الضم التي تستهدف التهام أراضى الضفة الغربية.
وهنا ينبغي إدراك دروس الماضى، قبل إصدار الأحكام على المبادرات العربية، في هذا الإطار، وأخرها اتفاق الإمارات مع إسرائيل، خاصة وأن ثمة العديد من الفرص التي أضاعتها الشعارات، والتي كانت من الممكن أن تحقق فيها السياسة نتائج أكبر وأفضل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة