لا يتوقف الحديث عن الكائنات الفضائية، ومنذ بدأت النهضة العلمية، بدأ الحديث عن وجود آخر فى كواكب ثانية، لا نعرفها، نسمع عنها أو نعرف عنها القليل، لكن ماذا عن صورة هؤلاء الفضائيين، وكيف رأتهم الثقافات الغربية.
يقول كتاب "الخيال العلمى" لـ ديفيد سيد تحت عنوان "لقاء الكائنات الفضائية، يوحى مصطلح "كائن فضائى" فى حد ذاته بالغيرية والاختلاف، فدائمًا ما تُصوَّر الكائنات الفضائية فى الخيال العلمى بطبيعة الحال عن طريق الإشارة إلى مجموعات بشرية، أو أنواع حيوانية، أو آلات مألوفة، وتقدِّم رواية إدجار رايس بوروز "أميرة المريخ" (1912) استخدامَين مبكِّرين لمصطلح "كائن فضائى"، فعندما يهرب بطل الرواية " كابتن جون كارتر" الذى يُحارب مع الجيش الكونفدرالى من هجوم قبائل الأباتشى فى أريزونا، ينتقل على نحو غامض إلى المريخ، وعلى الكوكب الأحمر، يلاحظ عادات عِرْق أخضر من أشباه البشر، ويحدِّق فى "حضانة الأطفال الخاصة بالكائنات الفضائية" لديهم، وهى نوع من الأعشاش ينمو داخلها الرُّضَّع المريخيون. فيُشير مصطلح "كائن فضائي" ها هنا إلى اختلاف هذه الممارسة عن الممارسة البشرية، إذ لا وجود للوالِدَيْن لدى العِرْق الأخضر، أما الاستخدام الثانى للمصطلح فيختلف إلى حدٍّ ما؛ إذ يحظى كارتر باستحسان إحدى الأعراق المريخية، رغم أن أحد قادتهم يُعبِّر له عن دهشته قائلًا "أنت كائن فضائى" لكن فى الوقت نفسه زعيم، إن قدرة المريخيين على التحدث، بل واستخدام المصطلح لوصف كارتر، يعكس معناه ليشير إلى المصدر البشرى، بعبارة أخرى، قد يعبِّر مفهوم "الكائنات الفضائية" عن علاقة تبديلية تعتمد على السياق والمنظور، فخلال الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين، أصبح مصطلح "كائن فضائى" يرتبط أكثر فأكثر بالمخلوقات التى لا تعيش على كوكب الأرض، لكن يجب علينا تذكُّر أن لذلك جذورًا سابقة فى النظرية العرقية وسياسات القرن التاسع عشر، فقد مَنَحَتِ الولايات المتحدة الأمريكية للعدائية نحو الآخَر شكلًا رسميًّا عبر قانون إبعاد الصينيين (1882) وقانون إبعاد الأناركيين (1901).
فى هذه الفترة نفسها، كان أشباه البشر على المريخ، الاحتمالية المفضَّلة مع بداية القرن التاسع عشر، يُوصَفون عادةً بعبارات تتفق مع الترتيب الهرمى العرقى فى هذه الفترة، ففى رواية بيرسى جريج "عبر دائرة البروج" (1880)، تدور الأحداث حول اكتشاف بشر قصيرى القامة على كوكب المريخ يُشبِهون العِرْق الآرى مثل السويديين أو الألمان، أما جوستافوس دبليو بوب، فيضع نظامًا لونيًّا مناسبًا لسكان المريخ فى روايته "رحلة إلى المريخ" (1894)، إذ ينقسمون إلى أعراق حمراء وصفراء وزرقاء، وإذا عدنا إلى بوروز، فسنجد أن سلسلة قصص بارسوم التى ألَّفها تُقدِّم على الأرجح أشهَر وصف مبكر للحياة على المريخ، إن أول ما يراه جون كارتر فى رواية "أميرة المريخ" هى مخلوقات غريبة الشكل تخرج من بيض، لها رءوس كبيرة وأطراف ضامرة، وبينما يحدِّق فى تلك المخلوقات، تندفع مجموعة من المحاربين ويحملونه معهم، وبذلك يتحرك مقياس الكائنات الفضائية المتدرج ناحية البشر، لأنه على الرغم من امتلاك الرجال الخضر لطرفَيْن زائدين فإن حضارتهم تُشبه من بعيدٍ حضارةَ الأمريكيين الأصليين وفقًا للتصورات السائدة فى هذا الزمن. أعدَّ بوروز أول رواياته عن المريخ كى تُصوِّر "جنسًا علميًّا مريخيًّا مسيطرًا" يشبه البشر، مستخدمًا المريخ كموقع خيالى حيث يستطيع حشد مخلوقات قريبة من البشر أو بعيدة عنهم. أما المخلوقات التى رآها كارتر أولًا، فهى جزء من الخلفية العجيبة للكوكب، فى حين تشبه الصراعات بين الشعب الأخضر والأحمر الصراعات الأرضية بين الشعوب "المتقدمة" و"البدائية" حسب مصطلحات عصره.
وأضاف بوروز جنسًا آخر إلى هذا الكوكب فى رواية "آلهة المريخ" (1918)، وهو "شعب النبات" الذى يضم أناسًا بعَيْن واحدة، وبدون شعر، يقع فَمُهُم فى راحة يدهم، وعلاوة على ذلك تتدلَّى نسخة مصغَّرة من هذا الكائن من إبطه، وكما فى الكتاب الأول، تأتى صورة المريخ الأبشع فى البداية، بينما تبدو جميع المخلوقات التى تَظهَر لاحقًا غريبة نسبيًّا أكثر من كونها بشعة، فتُشِير القِرَدة البيضاء الضخمة إلى مرحلة تطورية سابقة، أما "الرجال الحمر" الذين يتمتعون فى الحقيقة ببشرة فى لون النحاس فيُشيرون إلى النظام اللونى التقليدى فى القرن التاسع عشر الذى استخدمه الأمريكيون الأصليون. وأخيرًا، يأتى "القراصنة السود"، وهم عِرْق المريخ "النقي"، رغم كونه "بدائيًّا"، والأرستقراطى بين باقى الأعراق، يمثل القراصنة السود ظاهريًّا تجسيدًا جمعيًّا لشخصية الهمجى النبيل، ويختلفون فى اللون فحسب عن الشعب الذى انضم كارتر إليه، وفى مشهد قد يبدو غريبًا على سكان الجنوب الأمريكي، يضطر كارتر إلى الاعتراف بأن لونهم يُضيف إلى جمالهم، وتوحى التلميحات النصية التى يقدِّمها لنا بوروز فى روايته بأننا نكتشف أشياء ما بين التشابهات والاختلافات الأرضية، فى خضم تفاعلنا مع كائناته الفضائية التى تؤسِّس أفعالها نمطًا متواترًا من الوقوع فى الأسْر والهرب، وهو ما أصبح السمة المميزة لقصص بوروز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة