واصلت القاهرة أفراحها يوم 13 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1896 وكان اليوم الثانى لبدء تسيير أول مركبة ترام كهربائى فى تاريخ مصر.
كان الحدث ثورة حضارية دفعت البعض إلى اعتبار حال مصر قبله غير حالها بعده، ومن هؤلاء الكاتب محمد سيد الكيلانى فى كتابه «ترام القاهرة» الذى يقدم بانوراما شاملة عن العاصمة فى الحالتين، مؤكدا أن 12 أغسطس 1896 الذى سارت فيه قطارات تشق شوارع العاصمة كان حدا فاصلا فى تاريخ المجتمع القاهرى، إذ انتقل فيه من طور البداوة والتأخر الذى يتمثل فى استخدام الحمير والخيل وسيلة للانتقال إلى طور الحضارة والمدنية الذى يتمثل فى استخدام القوة الكهربائية.. «راجع، ذات يوم،12 أغسطس 2020».
يأخذنا «الكيلاني» إلى الأحوال الاجتماعية والجغرافية والحضارية قبل دخول الترام، فيضعنا أمام حقائق موجعة تكشف عن مدينة غارقة فى الإهمال.. يذكر أن مسطحها كان 3880 فدانا، وطول شوارعها 353 كيلو و340 مترا، وسكانها 374 ألفا و838 نفسا منهم 31 ألفا و650 أجانب، وكان قسم المدينة الأكثر سكانا يشغل 1445 نفسا للفدان الواحد من المساحة المتقدم ذكرها وفى أقله 298 نفسا فقط، وكان فيها 55 ألفا و597 بيتا و379 جامعا، ولم تكن شركة المياه تمد من المنازل والجوامع سوى 4 آلاف و397 بيتا وعشرة جوامع، وبقية البيوت والمساجد تستمد مياهها من الآبار وصهاريج تملأ فى أثناء الفيضان من السقائين بمياه منقولة من النيل مباشرة.
ضربت القذارة شوارع وبيوت القاهرة، حسبما تذكر لجنة لثلاثة مهندسين، فرنسى، وإنجليزى، وألمانى، شكلتها الحكومة لوضع مشروع مجارى القاهرة، وكشفت فى تقرير لها عن حقائق فاجعة، ينقل منه الكيلانى قوله: «الأربعة مرتفقات العمومية المقامة فى جنينة الأزبكية يدخلها فى اليوم الواحد تسعة آلاف نفس لقضاء حاجاتهم، وإن ما يتخلل أرض المدينة من المواد البرازية من هذه المرتفعات يبلغ مائة وواحد وأربعين ألفا من الأمتار المكعبة فى السنة الواحدة، فتشحن الأرض قذارة وتفسد، وتفسد مياه الآبار التى يستقى منها العديد من الأهالى».
وذكر التقرير، أن القاهرة خالية من التدابير الصحية، مما رفع عدد الوفيات وبلغ متوسطها» 10 و46 فى الألف «من السكان فى السنة، وفاقت هذه النسبة وفيات ثلاث وثلاثين مدينة كبرى من مدن أوربا وأمريكا والهند.. يقول: «متوسط وفيات القاهرة تكاد تكون أكثر من وفيات مدينة أخرى، مع أن الطبيعة خصتها بإقليم يقرب أن يكون عديم المثل والنظير فى الجودة».
يستمر التقرير فى كشف حقيقة بؤس القاهرة، قائلا: «كانت القاهرة تعج بالعشش الحقيرة التى تساعد على نشر الأمراض والأوبئة، هذا غير الأرض الخراب المنتشرة فى جميع الأنحاء، وكان يخترق المدينة الخليج المصرى والترعة الإسماعيلية والترعة البولاقية، وحينما انتشر وباء الكوليرا سنة 1896 كان وجود هذه الترع فى مدينة كثيرة الأقذار سببا فى انتشار الوباء».
ورغم هذه الحقائق المفزعة، فإنه ووفقا لجريدة «المقطم، 23 ديسمبر 1894»، رفض مجلس شورى القوانين الاعتماد الذى طلبته الحكومة فى ميزانية سنة 1894 كدفعة أولى لتنفيذ المشروع وقدره أربعون ألف جنيه، ورأى وجوب استخدام هذا المبلغ فى تخفيف الضرائب عن الفلاحين، وبذلك ظلت العاصمة محرومة من المصارف الصحية، وفى أكتوبر سنة 1906 استقدمت الحكومة مستر «كركيت جيمس» المهندس الذى تولى إنشاء مجارى بومباى وغيرها من مدن الهند، فدرس المشروع من جديد وعين مراقبا لمصلحة المجارى، وبدأ تنفيذه سنة 1909، وانتهى منه فى يناير 1914 بتكلفة نحو مليون جنيه، حسبما ذكرت «المقطم» يوم 24 يناير 1914»
كانت شوارع القاهرة قبل «الترام» فى حالة يرثى لها من حيث النظافة، ويذكر الكيلانى اعتمادا على تقرير للورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر، كتبه عام 1900 أى بعد بداية الاحتلال البريطانى لمصر بـ 18 عاما (1882 )، قال فيه: «تبلغ مساحة الشوارع فى القاهرة 2 مليون و780 ألفا و742 مترا مربعا، المرصوف منها بالحصى مليون و361 ألفا و42 مترا مربعا، وما بقى من شوارع غير مستوية وجدت منذ مئات السنين، ويطرح من البيوت يوميا ما يزن 900 طن من الفضلات ترفع منها مصلحة الكنس والرش 356 طنا كل يوم، وخدمة الحمامات 226 طنا وما بقى يترك فى الشوارع، وما كان يترك فى الشوارع يوميا هو 318 طنا وربما كان أكثر.. ويتواصل الحدث
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة