يعتبر نظام النقل العام فى هونج كونج واحداً من أكثر الأنظمة كفاءة فى العالم، لذلك ليس من الغريب أن يكون ركوب الترام الشهير على قائمة أمنيات كل مسافر، ولكن بمتوسط نحو 12.9 مليون رحلة ركاب شهرياً قبل جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، كانت وسائل النقل هذه مزدحمة للغاية.
وبسبب مخاوف "كوفيد - 19"، بدأ المصممون فى هونج كونج، العمل على إعادة تصور أكثر وسائل النقل شهرة فى المدينة، بما فى ذلك الترام التاريخى والعبّارات الشهيرة، لمعرفة كيف يمكن أن يبدو النقل العام فى عصر ما بعد الجائحة.
ويقول أندريا بونتى، مؤسس "Ponti Design Studio"، لشبكة "CNN" الأمريكية، "عادةً ما يأتى التصميم الجيد من القيود.. لذا، كانت هذه الفترة جيدة للتصميم، ليس بالضرورة للعمل، ولكن بالتأكيد للتخيل"، ويشير بونتى إلى أنه خلال الجائحة وبعدها، يعتقد أن المصممين سيقترحون العديد من الطرق الجديدة والمختلفة لاستخدام المرافق العامة والتفاعل مع البيئة.
ومنذ إطلاق المسار الأول، من كوزواى إلى كينيدى تاون، لأول مرة منذ 115 عاماً، بقيت الصورة الظلية لعربة الترام الرشيقة خالدة فى جزيرة هونج كونج.. ولا يفشل ترام هونج كونج البطىء والمزدحم فى تقديم تجربة لا تنسى للركاب، فمن الطابق العلوى لعربات الترام ذات الطابقين، يمكن أن يستمتع المسافرون بمشاهدة الحياة فى الشوارع، والأحياء ومحلات بيع المأكولات البحرية على جانب الطريق، والباعة المتجولين، وإشارات النيون المتوهجة، والحشود التى تتدفق عبر تقاطعات الطريق.
وقد شكل هذا الإرث تحدياً صعباً على بونتى، الإيطالى المقيم فى هونج كونج، فى تحديث مثل هذا المظهر الأيقونى الذى صمد أمام تحدى الزمن حتى الآن، وكانت النتيجة ولادة مفهوم "الجزيرة"، وهو مفهوم ترام جديد يشتمل على تدابير التباعد الجسدى وعناصر مستدامة مع الحفاظ على القيمة التى تجعل من ترام هونج كونج كنزاً حضارياً.
ويقول بونتى، المصمم الرئيسى وراء هذا المفهوم: "عندما بدأت الأمور فى التباطؤ فى فبراير ومارس بسبب "كوفيد-19"، جاءت فكرة الجمع بين الترام والتباعد الاجتماعى بشكل طبيعى"، ويرى بونتى أن "ركوب الترام يعد بمثابة تجربة يخوضها الأشخاص لأنها طريقة لطيفة للإبطاء والتواصل مع الأحياء والشوارع.
ويوضح بونتى: "أردنا أن نبتكر شيئاً جديداً ومختلفاً ومثيرًا للاهتمام، ولكن فى الوقت ذاته، كان علينا أن نلتزم بالحرص على عدم لمس ما يحبه الناس حقاً فى الترام"، ويقول إن ردود الأفعال كانت إيجابية حتى الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وكان هناك القليل من الشكاوى فقط.
ويعود الفضل فى الاستقبال الحار لاهتمام بونتى فى الاحتفاظ بخصائص بارزة فى عربات الترام، مثل الهيكل الطويل والمستطيل، والأرضيات الخشبية، والنوافذ الكبيرة، ويشير بونتى إلى أنه استوحى الإلهام للمقدمة المستديرة لعربة الترام من المبانى الشهيرة المسماة "تونج لاو" التى يمكن العثور عليها فى خليج كوزواى، وغالباً ما تحتوى هذه المبانى على زوايا ونوافذ جميلة مستديرة.
وعند تحديث الطابق العلوى للترام، يقول بونتى، إنه شعر أنه من الضرورى دمج النوافذ البانورامية: "أردنا إنشاء اتصال مع البيئة.. لذا حتى فكرة هذا الطابق العلوى تسمح برؤية واسعة، خاصةً فى الليل"، ولضمان معالجة مفهوم الترام للنظافة وتدابير المسافة، أدرج بونتى الدخول والخروج بدون لمس، والتكنولوجيا ذاتية القيادة وترتيب جلوس جديد، وتحل مقاعد الجلوس الدائرية محل المقاعد الضيقة، بينما تتيح المسافة الطويلة للركاب فرصة الاستمتاع بالمناظر الحضرية مع الحفاظ على المسافة الآمنة.
ويقول بونتى، إن "معظم وسائل النقل العام فى هونج كونج لديها تصميمات مقاعد متشابهة للغاية، لذا أردنا استكشاف ما هو مختلف تماماً، حيث يجلس الناس على مقعد دائرى"، كما تكمن فكرة التصميم المفتوح على مصراعيه فى مواجهة الراكب للخارج، بحيث لا يحتاج إلى الاتصال المباشر مع الركاب الآخرين.
وتشتهر هونج كونج بتاريخها الثرى فى صيد الأسماك والشحن والعيش فى الجزيرة، وقد ارتبطت بشدة بمرفأ فيكتوريا وبحر الصين الجنوبى المحيط بها طوال تاريخها، ومع هذه البيئة البحرية، فإن قوارب الركاب تأخرت كثيراً فى الخضوع إلى التحديث، وفقاً للمصمم البريطانى، مايكل يونج، الذى عاش فى هونج كونج، لأكثر من 14 عاماً.
وأراد يونج، الذى يدير استوديو تصميم إنشاء تصميم قارب يجذب جيلًا جديد، ويضفى انطباع الانتعاش والانسيابية، وتوصل يونج إلى مفهومر "OseaD1"، وهو قارب ركاب صغير رشيق مستوحى من العبارات الصديقة للبيئة فى الولايات المتحدة.
ويستجيب المفهوم المبتكر للدعوة لتطبيق إجراء التباعد الاجتماعى، بينما يضيف أيضاً مكونات حديثة مثل تقنية القيادة الذاتية، ومحرك دفع كهربائى أكثر هدوءاً، وهيكل خارجى مصنوع من مواد معاد تدويرها، كما يعد التصميم، الذى يسمح بدخول الكراسى المتحركة، بمثابة تناقض صارخ مع تصميم الصفوف المتوازية الكثيفة على متن معظم عبارات الركاب فى هونج كونج، على الرغم من أن التصاميم تحمل تشابهاً مع القوارب المحلية التى تدور حول الجزر النائية.
وبما أن التصميم يضمن الوصول إلى المقاعد بزاوية 360 درجة، فلا يتعين على الركاب الاقتراب من أى شخص للجلوس، بحسب ما قاله المصمم، وفى عصر ما بعد كورونا، يتخيل يونج، هذه العبارات كحلقة وصل بين السكان الذين يعانون من الإجهاد والجوانب الطبيعية الهادئة فى المدينة.
وأضاف يونج: "فى هونج كونج، تحيط بنا المياه كل يوم.. وهناك الكثير من الجزر النائية والأماكن الجميلة فى جزر لاما، ولانتاو وبنج تشاو، التى أتمنى أن نتمكن من الوصول إليها بسهولة أكبر، وإذا كان الوصول إلى هذه المناطق أسهل، أعتقد أن الناس سيحبون الخروج من المدينة أكثر والاستمتاع بمناظر الريف، فهى بمثابة كنز حقاً".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة