محمد ثروت

عن دعاة "الكراش" والجذور الفكرية للتحرش

الخميس، 09 يوليو 2020 05:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
داعية "الكراش" المودرن الذي يبرر جريمة التحرش بأن أحد أسبابها ملابس المرأة المثيرة، ليس وحده الذي يروج لخطاب التبرير والتدليس باسم الدين ضد المرأة، فهو يعبر عن تيار من التدين الشكلي الظاهري الاستهلاكي الذي يبرر الأخطاء والتجاوزات من خلال أسانيد دينية وفقهية وشرعية، على حساب الإيمان الحقيقي (كاسيات عاريات/ ملابس غير محتشمة/ المرأة عورة/ النساء حبائل الشيطان). 
 
هذا النموذج وغيره ليس بجديد على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فقد سبق أن قام برصده وتحليله، صديقنا الباحث السويسري باتريك هايني في كتابه" إسلام السوق"(2005)، وربط بينه وبين ظاهرة الدعاة الجدد والتركيز على الفردانية والاستهلاك (الزي الإسلامي العصري، الفن الملتزم، المطاعم الحلال،  إن أنصار هذا التدين الشكلي الظاهري لم يجيشوا الحملات واللجان الالكترونية (بوستات، تعليقات، فيديوهات)،  لمحاربة أو الحد من جرائم التحرش الجنسي، وإنما توقفوا عند أسباب الظاهرة ومنها ملابس المرأة المثيرة للفتنة، التي تدفع الشباب الظمآن المحروم من الزواج لأسباب اقتصادية واجتماعية لعدم القدرة على كبح شهوته الجامحة، فيلجأ لسبب تعويضي وهو التحرش، وهكذا تصبح الضحية التي وقع عليها الأذى النفسي والمادي، جزءا من المشكلة، وسببا لوقوعها، وهذا التبرير نفسه جزء من الاضطهاد والانتهاك ضد حقوق المرأة، فالتحرش جريمة كبرى تقع عادة من رجل في موقع القوة/ السلطة بالنسبة للأنثى أو للطفل، مثل زوج أم/ ابنة الزوجة ، المدرس والتلميذة، الطبيب والمريضة، أو حتى رجل دين في وضع النصح والتوجيه، ولا علاقة لها بزي أو مظهر المرأة الخارجي. 
 
إن خطاب دعاة "الكراش" الذي يزعم أن الاختلاط بين الجنسين في الشارع والعمل والأماكن العامة، يقلل من مكانة للمرأة التي جاء الإسلام لها بالتكريم وأن الاختلاط من أسباب الفتنة والوقوع طي الفواحش وانتشار الرذيلة والجريمة، يعتبر ردة للوراء وترديدا لأفكار متشددة ومنها "أن المرأة مكانها البيت"، وأنَّ "النساء مأمورات بلزوم بيوتهنَّ والانكفاف عن الخروج إلاَّ لضرورة". في عصر وصلت فيه المرأة لأعلى مكانة في تسيير أمور الدول والأمم (رئيسة/ حاكم ولاية/ قاضية/ وزيرة/ والية/ محافظ/ مدير جامعة/مدير بنك.. إلخ)، دون أن تتخلى عن وظيفتها السامية كأم وزوجة وأخت وابنة وعضوا مهما وأساسيا في المجتمع الإنساني.
 
لقد عجزت عقول تيار الإسلام الشكلاني عن قراءة دور المرأة في التاريخ الإسلامي بشكل متعمق، ( العمل بالتجارة والاتصال بالناس والدور الإنساني في الجيوش وفي الأزمات(أوبئة، ومجاعات) والمشاركة في عملية التنمية من خلال نظام الوقف لصالح مدرسة/ مستشفى،   واقتصروا على ترديد خطاب الإباحة والتحريم، والمظهر دون الجوهر. 
 
أقول لهؤلاء الباحثين عن الشهرة والترند من خلال التحدث باسم الإسلام، لستم أوصياء على الدين، ولا على الجمهور،  وإذا كان الصمت عن الإبلاغ عن جريمة التحرش يسهم في زيادة نسبة التحرش، فإن تبرير تلك الجريمة يعتبر حماية للمتحرش وتبريرا لجريمته الشنعاء في حق المجتمع والبشرة. ومن الواجب عدم ترك هؤلاء يشوهون صورة الإسلام دون الرد عليهم وسحب الشرعية من تحت أقدامهم، وأنهم لا يمثلون صحيح وجوهر الإيمان الحقيقي.
........









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة