بقدر ما أفزعني عدد الذين تحرش بهم أحد الشباب المراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الفزع الأكبر والمصيبة الأعظم من كم التبريرات التي يسوقها بعض الدعاة السلفيين ومن سار على دربهم من الشباب والشيوخ، الذين يحملون المرأة/ الضحية وحدها مسؤولية أي حوادث تحرش أو عنف لفظي أو جسدي.
التبرير الأول الذي زعمه هؤلاء الدعاة: أن المرأة التي تتحدث مع رجل عبر غرف الدردشة أو ماسنجر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، هي في الأصل خالفت الشرع بالحديث مع شاب أجنبي، استنادا لفتوى شيخ من القرن الثامن عشر قبل اختراع الانترنت أصلا أو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، هو الشيخ أبو سعيد الخادمي (ت1763م) الذي قال في كتابه: بريقة محمودية: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة". إن كلام هذا الفقيه الحنفي نفسه يحمل أكثر من تأويل فعدم الجواز في الفقه يطلق على المكروه بمعنى أنه غير ممنوع، وبلا حاجة فسرها البعض بجواز الحديث في التعليم والتعلم والبحث عن عمل وتبادل المنافع الدنيوية، والتواصل مع الثقافات والحضارات الإنسانية المختلفة، عملا بالآية الكريمة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". (الحجرات: 13) وعبورا فوق تلك الفتاوى الخلافية التي أغلقت باب الاجتهاد واعتمدت على تأويلات أبوية ذكورية، تنظر للمرأة نظرة جسمانية جماعية فقط كانت سائدة قبل الإسلام، فإن تبرير التحرش اللفظي على الانترنت وإلقاء اللوم على الفتيات/ الضحايا هو في حد ذاته يخالف تعاليم الإسلام، الذي حرم الإيذاء النفسي من بعض الذين في قلوبهم مرض وجعله من أعظم الآثام والتحرش من أكثر أنواع الإيذاء النفسي ضررا وإيلاما للضحية، وقد ورد في القرآن الكريم "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (الاحزاب: 58) والإيذاء يشمل الرجل/ المرأة قولا أو فعلا في عرضه أو ماله أو جسده أو أي شىء فيه إيذاء وأضرار مادية ومعنوية.
التبرير الثاني: أن ملابس المرأة وتبرجها وسفورها أي خروجها بلا حجاب، وارتدائها ملابس تغري الرجال وراء وقوع جرائم التحرش (موقع الشيخ سعد عبد الله الحميد)، وهو لوم آخر للضحية وتحميلها سبب التحرش بها، رغم أن إحصائيات المجلس القومي للمرأة (2016) ومسح مركز حقوق المرأة (2008) أن المحجبات الأكثر تحرشا بهن بنسبة 72%، وهناك حالات تحرش موثقة في تلك التقارير عقب صلاة العيد.
إن العنف الجنسي أزمة ثقافة مجتمعية تنظر للمرأة نظرة غير متكافئة ولا متساوية مع الرجل وتحملها كل انتهاك ضدها، وتترك الفاعل الرئيس يستسيغ فعلته ويبررها لنفسه، بالوقوع في الفتنة والإغراء، فسد المفاسد ليس بالمنع المطلق والتحريم والإغلاق وإنما بالتربية على الحوار والإقناع وإعمال العقل في قضية من مستحدثات العصر، فإذا كان العنف الجنسي على الانترنت وفي الواقع جريمة، فإن التبرير جريمة أكبر في حق المجتمع والإنسانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة