محمد ثروت

عن الفقيه ونفسية العبيد التي لا تحتمل الحرية

السبت، 04 يوليو 2020 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الجدل المثار حول قضية الإسلام والعبودية، قديم وجديد، لم تنهه ردود العلماء حول التدرج في الأحكام والتضييق في أبواب الاسترقاق، ليقتصر على المعاملة بالمثل في أسرى الحروب في الإسلام أو اتهام من يفكر في إثارة هذا السؤال بالعلمانية تارة وتشويه صورة الأديان تارة أخرى؟

لكن الغريب ما جاء على موقع بيان الإسلام للرد على الشبهات الذي يديره الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس والذي يرى "أن الترويض النفسي الذي درج عليه العبيد يجعلهم لا يحتملون التحرر والانعتاق فجأة". وهي جملة كلها تنمر، فلا يوجد عاقل يرفض الحرية لأنه تعود على الذل والعبودية، والطائر مهما طال سجنه في قفص، فإنه بمجرد ان تتاح له الفرصة للهرب يطير بسرعة ويحلق بعيدا.

إن كثيرا من الفقهاء لازال يرى بعض أبواب العبودية مباحا، فالرق كما يقول الدكتور عبد الحي صالح أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الخرطوم "باق حكمه لم ينسخ؛ لأن النسخ لا يعرف إلا من جهة الكتاب والسنة، وذلك بأن يرفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب آخر متراخٍ عنه، والإسلام لم يوجب استرقاق الأسرى، وإنما أباح ذلك، وقد علم من كلام أهل العلم أن الرق الذي أباحه الإسلام في ذلك الحين كان من باب المعاملة بالمثل للعدو المقاتل؛ فلا مانع أن يحظر في وقت ما من باب المعاملة بالمثل كذلك".

لقد ترك الفقهاء إلغاء الرق أو منعه وليس تحريمه لولي الأمر(الحاكم)، طالما لم يتخذ الطرف الآخر(العدو) أسرى.

لقد جاءت آخر فتوى من دار الإفتاء المصرية ِ بناء على سؤال طلاب برنامج ماجستير قانون الأعمال الدولي والقانون المقارن بجامعة إنديانا-بالاشتراك مع كلية الحقوق جامعة القاهرة، عن موقف الإسلام من الاتجار بالبشر؛ وجاءت فتوى أمانة الإفتاء "بأن الإسلام جاء فوَجَدَ الرِّقَّ موجودًا في كُلِّ أنحاء الدنيا، وكانت وسائلُه متعددةً، بعضها يقوم على الخطف والسرقة، وبعضها يقوم على الحروب، وبعضها يقوم على استرقاق الغرماء، فألغى الإسلام كل هذه السبل وأبقى الاسترقاق بالحرب، وإنما لم يمنعه الشرع مرةً واحدةً على عادته في التدرج في الأحكام؛ حتى لا يحصل الاختلال الاجتماعي؛ فإن الرق كان ظاهرةً موجودةً عند كل الأمم، وكان الرقيق قوةً بشريةً لها أثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية".

إذا معنى تلك الفتوى أن الإسلام لم يلغ العبودية بشكل قاطع حتى صدور الاتفاقية الدولية لتحرير الرِّقِّ في برلين سنة 1860 م والتي وقع عليها حكام كثير من الدول الإسلامية وقتها.

إن اختلاف المفسرين في تأويل الآية 178 من البقرة في قوله تعالى: "يا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ". جعل بعض المستشرقين ومن سار على دربهم يرى أن دم العبد لا يتساوى مع الحر، وقد أثار تلك القضية قديما الإمام الطبري في تفسيره لكنه رد عليها من النصوص نفسها. فقد ورد في حديث النبي محمد (ص) الذي أخرجه أحمد   وأبو داود ورواه الإمام علي بن أبى طالب أن "المسلمين تتكافأ دماؤهم". فإن قال: فإذ كان ذلك، فما وجه تأويل هذه الآية؟ قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك،  فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله من أجل أنه عبد حتى يقتلوا به سيده، وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها، فأنزل الله هذه الآية   فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال،  وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص".

لا شك أن إثارة قضية الإسلام والعبودية بين حين وآخر، يحتاج إلى ردود قاطعة وشافية، من المجامع الفقهية تفتي بتحريم العبودية والاتجار بالبشر مهما كانت مبرراتها، عملا بالقاعدة الفقهية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وكم في العبودية من أضرار ومفاسد وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين. وأقول للفقهاء وعلماء عصرنا: اتقوا الله في تعبيراتكم، فلا يوجد بشر يستسيغ العبودية مهما كان، فالحرية هي الأصل والعبودية جريمة.   وأكرر المقولة الخالدة لـ عمر بن الخطاب موجها خطابه لوالي مصر عمرو بن العاص "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة