"مش لاقيين سراير.. المستشفيات مافيهاش أماكن.. مش معانا حق مسحة الفيروس.. هنجيب فلوس العلاج من فين.. المستشفيات الخاصة هتمص دمنا.. هنتفضح لو الجيران عرفوا اننا عندنا مصاب بكورونا.. الحكومة مش بتتحرك ولا بتعمل حاجة".. صراخ ونحيب وعويل ضجت به صفحات مواقع التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة.. خاصة مع تزايد شراسة فيروس كورونا وارتفاع حالات الإصابة بشكل كبير.
دعونا نتفق على أمر.. أجهزة الدولة منذ بداية ظهور المرض، لم تدخر جهدا ولم تقصر فى التعاطى مع الأزمة ووضع النصائح وفرض الإجراءات الاحترازية التدريجية مراعاة لمصالح المواطنين وعدم المساس بأرزاق البسطاء، مع الحفاظ على كياستها ورزانتها وعدم الانجراف وراء الدعوات الصبيانية بإعلان الإغلاق التام، والحظر الكامل، وإنما حافظت على الخيط الرفيع بين الإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع تفشى وانتشار الفيروس، وفى نفس الوقت استمرار الحياة ووتيرة العمل لتسهيل حصول المواطنين على خدماتهم مع توفير الرعاية الصحية والعلاج اللازم والتوسع فى تخصيص مسشتفيات عزل للحالات المشتبه فى إصابتها بالفيروس .. جهود خرافية لا ينكرها إلا جاحد.
على الجانب الأخر، وفى ظل الحملات التوعوية الضخمة التى انتشرت على شاشات التليفزيون وبثت عبر محطات الراديو لحث المواطنين على عدم الخروج من منازلهم والتزام قواعد التباعد الاجتماعى تجنبا لتزايد الإصابات، لمسنا تجاهل تام ولا مبالاة من قطاعات عريضة من المواطنين، فضربوا بكل تلك التعليمات والنصائح عرض الحائط ولم يعيروها أى اهتمام، حتى طالهم الوباء، فرأوا منازل تغلق بالحواجز بعد وضعها تحت الحجر الإجبارى، وسمعوا صرخات ذوى جارهم الذى خطفه الموت متأثرا بإصابته بالفيروس، وعاشوا معاناة أسرة كاملة تفشى الفيروس بينهم فخطف المسن والمريض وأصاب الشاب والطفل.
وكما يقولون من رحم المعاناة يولد الأمل.. ومن قلب المأساة يولد الفرح.. ومن باطن الغيوم السوداء ينشق شعاع النور.. وفى الوقت الذى تزايد فيه دعوات الإحباط وانتشرت فيه رائحة الموت.. أطلق مجموعة من الشباب الأبطال مبادرة داخل قريتهم سنتريس التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، تحت اسم "دعوة شفاء" مساهمة فى رفع العبء عن كاهل الدولة والمشاركة المجتمعية فى علاج أبناء القرية وتقديم الخدمات الصحية والعلاجية بشكل سرى ومجانى.
الفكرة كما يقول صاحبها الدكتور سمير عبد الرازق الأمين العام لشعبة المبدعين العرب، بن القرية، عبر الإعلان عن أرقام واتس لعدد من أطباء القرية المخلصين المتطوعين فى المبادرة، لاستقبال استفسارات المواطنين بشأن المرض، وحال شعور الطبيب بالاشتباه فى إصابة المتصل ، يرشده لعمل تحاليل وأشعات فى أحد المعامل المشتركة أيضا ضمن المبادرة، ويتم إعلام المريض بنتيجة فحوصاته مع إرشاده لقواعد العزل المنزلى وإخضاع كل المخالطين له لنفس الفحوصات لبيان وجود إصابات بينهم من عدمه، ثم إخضاعهم للعزل المنزلى مع متابعة طبية دقيقة وتوفير كورس العلاج وطلباتهم المنزلية طول فترة العزل بشكل مجانى، حتى تعافيه بشكل كامل وعودته للحياة.. وذلك كله يتم وفق قاعدة بيانات سرية وبشكل مجاني.
وسط حالة الرعب والخوف والفزع الذى ينتاب كل من يسمع عن إصابة جديدة بحالة كورونا، تجد أحد شباب المبادرة، يحمل على كتفه أنبوبة أكسجين، يتجه لمنزل أحد المصابين، لسرعة إسعافه، وتجد أخر يلتزم بتوفير السلع الغذائية واللحوم والخضروات لأسرة هذا المصاب، وثالث يتواصل مع الأسرة بشكل دائم لتوفير كل ما يلزمهم، تجنبا لنزولهم واختلاطهم بأهل القرية، احترازيا ضد تفشى الفيروس.
ما أورعها من فكرة وما أنجحها من مبادرة.. المبادرة فى فترة قصيرة لاقت نجاحا واسعا، وانتشرت بين أهالى القرية ، وذاع صيتها فى القرى المجاورة، التى اقتبست الفكرة، وحركت المياه الراكدة بين مواطنيها، الذين فطنوا لعدم الاتكالية على ما تقدمه الدولة، وبادروا إلى التحرك، فتراجع الطلب على أسرة العزل داخل المستشفيات، وأصبح خيار العزل بالمستشفى الحل الأخير والصعب، وارتفعت حالة الأمل والتفاؤل، وزادت المشاركة المجتمعية بين أهالى القرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة