يقول الكتاب فى المقدمة:
هذا جزء لطيف فى حجمه جمعت فيه بعض ما مرَّ بى من حوادث وأخبار إتلاف الكتب فى التراث العربى قصرته على نوعين فقط من الإتلاف:أسباب إتلاف الكتب
هناك عدة أسباب وراء إتلاف الكتب، من أبرزها ستة أسباب وهى: الشرعية، العلمية، السياسية، الاجتماعية والقبلية، النفسية، التعصبية.الأسباب الشرعية:
يكاد يكون هذا السبب من أهم الأسباب التى أوردناها آنفًا بل، يكاد يكون السبب الرئيس فى ظاهرة إتلاف الكتب فى تراثنا الإسلامى والعربي، وعليه عُزِّز جانب الإجماع على أمر معيَّن، مثل الإجماع على (المصحف الإمام) وإحراق ما عداه من المصاحف. فالإجماع فى الشريعة الإسلامية يمثّل المصدر الثالث بعد القرآن الكريم والسنة عند جمهور علماء السنة، وعليه فالإجماع على اتباع المصحف الإمام وإحراق ما عداه يُقاس عليه اتباع الكتاب والسنة وإتلاف ما عداهما من كتب الرأى أولًا، ثم انسحاب هذا الموقف على كتب أخرى فيما بعد، حيث سيسهل إتلاف كتب العلوم الأخرى، والإفتاء بذلك من قبل بعض العلماء.
السبب العلمي:
وهذا السبب من الأسباب الدقيقة التى لا يفقهها إلا من أدمن المطالعة لكتب التراجم وعلم الأسانيد، ولا بأس أن نقرب هذا السبب، وهو أنّهم فى مرحلة الجمع والتدوين والإملاء، كان الشيخ يُملى على تلاميذه المادة، وغالبًا هى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكان التلاميذ يحضرون عند الشيخ بجميع عدة الاستملاء؛ فيكتبون عنه وتُضبط أسماء هذا المجلس فى محضر يُحفظ عند الشيخ، وعند تلاميذه الذين يريدون نفس هذا المحضر؛ فيعرف من حضر وسمع ومن لم يحضر، وتاريخ السماع. هذا المحضر وما سمعه التلميذ يطلق عليه (أصل السماع) ولأنّهم يخشون أن يزوّر أحد الكذابين هذا الأصل، بحيث يكشط اسم أحد التلاميذ ويضع اسمه فى مكانه؛ كان العلماء يتلفون هذه الأصول فى حياتهم، أو يوصون بإتلافها بعد وفاتهم. وهذا ما سلكه أغلب علماء الحديث صيانة للحديث النبوي، والأمثلة على ذلك كثيرة. وهنالك جانب آخر من جوانب الإتلاف لأسباب علمية، وهو مخالفة الشرط العلمى فى الرواية والتلقّي، حيث نجد أنّ مخالفة الشروط العلمية فى بعض الأحيان مدعاة لإتلاف الكتب.
السبب السياسي:
من أقدم الأسباب السياسية لإتلاف الكتب التى مرّت علينا أثناء جمعنا لمادة هذا الكتاب واقعةٌ حدثت فى المدينة سنة 82 هـ؛ حيث أُحرق كتاب يحتوى على فضائل الأنصار، وأهل المدينة خشى عبد الملك بن مروان أن يقع بيد أهل الشام فيعرفوا لأهل المدينة فضلهم، وهو خلاف ما عممه عنهم بنو أمية فى الشام.السبب الاجتماعى والقبلي:
يقول الوزير جمال الدين القفطى فى كتاب [أنباه الرواة على أنباه النجاة] فى ترجمته لابن الحائك الحسن بن أحمد الهمداني: [وكتابه فى معارف اليمن وعجائب أهله، المسمّى (بالإكليل) وهو عشرة أجزاء، وهو كتاب جليل جميل عزيز الوجود لم أرَ منه إلا أجزاء متفرقة، وهى على تفرُّقها تقرب من نصف التصنيف وصلت فى جملة كتب الوالد المخلّفة عنه حصّلها عند مقامه هناك، وقيل إنّ هذا الكتاب يتعذَّر وجوده تامًا، لأنّ المثالب المذكورة فيه، فى بعض قبائل اليمن… وأعدم أهل كل قبيلة ما وجدوه من الكتاب، وتتبعوا إعدام النسخ منه، فحصل نقصه لهذا السبب.السبب النفسي:
خير مثال على هذا السبب هى واقعة إحراق أبى حيان التوحيدى لكتبه، والتى تناولناها بالبسط. وهناك واقعة أخرى وقعت لأحد الشعراء حيث غسل قصيدة من شعره بسبب الغيظ وحدة الانفعال. وقد ذكرنا هذه الواقعة فى هذا الكتاب فى ترجمة أحمد بن محمد النامى الدرامي.السبب التعصبي:
كثيرًا ما فعل التعصب والجهل أفاعيله فى تراثنا العربي، فأتى على الأخضر واليابس عبر عدة أنساق منها الاجتماعي، ومنها الدينى ومنها المذهبي، أو العرقى ومنها السياسى إلى غير ذلك من أنساق تعصبيه كان لها دور فى إتلاف كتب التراث، كما حدث مع كتاب "النصرة لمذهب إمام دار الهجرة" تأليف الإمام القاضى عبد الوهاب بن نصر البغدادى المالكي، حيث وقع بيد بعض قضاة الشافعية بمصر فغرّقه فى النيل بسبب التعصب المذهبي.طرق إتلاف الكتب:
تعدّدت طرق إتلاف الكتب فى تراثنا، إلا أنّها لم تخرج عن أربع طرق معروفة ومعهودة وهي: إتلاف الكتب بالحرق، إتلاف الكتب بالدفن، إتلاف الكتب بالغسل بالماء والإغراق، إتلاف الكتب بالتقطيع والتخريق.الإتلاف بالحرق:
تعتبر هذه الطريقة من أشهر طرق إتلاف الكتب، حيث استعملت غالبًا فى الساحات العامة، وغالبًا هى طريقة السلطة فى التعبير عن رفضها العلنى لكتب، وأفكار معينة، وسيمرّ علينا فى المسرد التاريخى ما يدل على استعمال السلطة لهذه الطريقة غالبًا.الإتلاف بالدفن:
يغلب على هذه الطريقة الإتلاف الفردى للكتب الخاصة، ولا أعرف نصًا ينصُّ على أنّ السلطة قد مارست إتلاف الكتب بالدفن، بل غالبًا هى إحراق أو إغراق أو تقطيع.الإتلاف بالغسل والإغراق:
مُورست هذه الطريقة غالبًا فى الإتلاف الفردى للكتب، وهى السائدة هنا حيث كان بعضهم يُغرق كتبه فى البحار، أو الأنهار؛ أو يعمل على غسلها للاستفادة مرة أخرى من الورق.الإتلاف بالتقطيع والتخريق:
تُعتبر هذه الوسيلة من أقلّ الوسائل المستعملة فى إتلاف الكتب، واستعملت غالبًا من قبل السلطة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة