السيد شحتة

ذكريات زمن الحظر

الإثنين، 29 يونيو 2020 12:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتهى زمن الحظر، فقط مجموعة من التدابير والإجراءات التى تراهن على وعى وإدراك المواطن، عادت الحياة إلى سيرتها الأولى بعد أيام طوال قضيناها مقيدى الحركة بفعل الحظر الذى تم فرضه بسبب الوباء.

صار الحظر ماضيا يحمل لنا الكثير من الذكريات التى أحسب أنها ستظل عالقة فى الذاكرة لفترة طويلة، أين كنا قبل الحظر، وأين أصبحنا بعده؟، سؤال تبدو إجابته بالغة الأهمية لتجاوز بعضا من الآثار النفسية التى لحقت بالكثيرين منا جراء التعامل الحذر مع الشارع لفترة طويلة.

أحسب أن الحظر كان مناسبة غير مسبوقة لالتئام شمل الكثير من أفراد الأسرة الواحدة، الذين كانوا قبله يعيشون فى مكان واحد، دون أن يعرف كل منهم عن الآخر سوى أقل القليل فى ظل سباق متسارع للآباء على لقمة العيش، وانشغال تام للكثير من الأمهات فى طوفان المهام والأعباء المنزلية التى لا تنتهى، فيما كان وقت الأبناء موزعا ما بين المدارس والجامعات والنوادى ليستقر بهم الحال فى المنزل لتناول الطعام، وهم يتابعون كل جديد على السوشيال ميديا عبر هواتفهم المحمولة.

فى ظل البقاء بالمنزل حين من الدهر عاد الحوار من جديد بين الأبناء والآباء وانكسرت الكثير من الحواجز الافتراضية التى كانت تخلق جبالا من الجليد العازل بين الطرفين .

كل منا اكتشف فى أبنائه جوانب أخرى خفية، كان تواجده لساعات طويلة بعيدا عن المنزل بفعل عجلة الحياة اليومية يحجبها عنه، أنا شخصيا أقف أمام ابنتى الكبرى لجين البالغة من العمر أحد عشر عاما إلا قليلا بفخر شديد حيث جمعتنا يوما لتنصب محكمة قامت فيها بدور القاضى، ونحن الحضور لتتلو علينا عددا من الأحكام السامية التى قامت بصياغتها بعفوية شديدة وهى فى الصف  الخامس الابتدائى، كى نقضى هذه الفترة فى سلام، وأبرزها "عدم الخصام، استغلال هذه الفترة فى التقرب من بعضنا البعض، عدم التعصب، مسامحة الآخرين، عدم التخريب."

كما اكتشفت فى أختها الصغيرة إلين فى كى جى تو موهبة كبيرة فى الرسم إلى الحد الذى حولت فيه جدران بيتنا الصغير إلى معرض مفتوح للوحاتها التى تحمل أغلبها مشاعر رقيقة وعفوية لأسرتها الصغيرة.

كم الخسائر التى خلفنها جميعا نحن الآباء جنبا إلى جنب مع الصغار كبيرة من منا لم يكسر كوبا أو طبقا أو يحرق خبزا أو طعاما كان يساعد زوجته فى إعداده، لكن المكسب الأكبر يبدو فى اللمة التى عادت من جديد والتى بعثت الروح فى بيوت كانت تفتقد للروح وإن تزينت بالشكل البراق.

عرفنا من البقاء فى المنزل لفترات أطوال كم الجهد الكبير الذى تقوم به الأمهات على مدار الساعة، عرفنا كم هى الحياة غالية، وكم هو المرض وحش مرعب نفر منه جميعا.

اكتشفنا أن الصحة والستر أفضل ألف مرة من أحلام كثيرة أضعنا وقتا وجهدا وعرقا من أجل أن نصل إلى بعضا منها دون أن نتمكن.

أدركنا أن اللحظة التى كنا نغادر فيها بيوتنا إلى وجهاتنا المختلفة بكل أمان كانت غالية جدا إلى الحد الذى نحن إليها اليوم بشدة، فكل منا يرى فى نفسه فور خروجه من بيته اليوم خطر محتملا على أقرب الناس إليه، لذا فإنه يسعى جاهدا لتحصين نفسه بالكحول والمطهرات، كما يسارع فور العودة بخلع ملابسه التى يرى فيها نذيرا للخطر ووضعها فى الغسالة، وأخذ دش سريع لقتل أى مصدر للعدوى سائلا الله السلامة.

تغير شكل الحياة كثيرا بعد الحظر عنه قبل، وأظن أيضا أنه اختلف كثيرا بعد زواله ولكن يبقى الدرس الكبير الذى تعلمناه، وهو أن كل منا يحتاج بين فترة وأخرى لاكتشاف نفسه وأقرب الناس إليه حتى يصل إلى بر أمان تستقر فيه روحه إلى حين .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة