نقرأ اليوم كتاب "اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى" للدكتور يوسف زيدان، الصادر عن دار الشروق، والذى أثار ضجة كبرى عند صدوره، وفى الكتاب يناقش العقل العربى ويبين طريقة تعامله مع الغيبيات ومع الواقع المعيش ويصدر لنا جملة "أن الإنسان العربى عقلية "برجماتية" لذا فرقت بين الإنسانى والإلهى، فالواقع والتاريخ يؤكدان أنها "عقلية" تعنى بالعقل ولا تنزع للتفلسف النظرى العميق، ولا تفهم مسألة التداخل بين البشر والآلهة كما فى مصر واليونان، فـ"لم تُعنَ الثقافة العربية بتلك الفروق الواسعة الفاصلة بين البشر والآلهة وحسب، ولكنها فرقت وبشكل حاسم بين ثلاثة معان محددة هى (النبوة، والربوبية، والإلوهية)، موضحة أنه لا يجوز الجمع بينها.
ويوضح يوسف زيدان، فى كتابه كيف توافق الإسلام مع هذه العقلية البراجماتية العربية فمدهم القرآن فى آياته المدنية بنظام لحياتهم وزاد الأمر فتحول الدين على يدهم إلى راية يحاربون تحتها من أجل تأسيس الدولة، وتوسعة حدودها ومن هنا جاء الأمر القرآنى "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم".
ويؤكد يوسف زيدان، أن فرقتى المعتزلة والأشاعرة قادتا ما يمكن أن نطلق عليه "اللاهوت العربى" لكنه لم ينكر أن بدايات علم الكلام فى نفس المنطقة التى ظهر فيها اللاهوت العربى المسيحى كانت من قبل تأسيس هاتين الفرقتين، وأن آباء الكلام سابقان على واصل بن عطاء وأبى الحسن الأشعرى.
وذكر "زيدان" من آباء الكلام الأوائل: "معبد الجهنى" الذى عاش بالبصرة وتوفى سنة 80 هجرية، وكان من الرواة الثقاة للحديث النبوى، وشارك فى الأحداث السياسية والثورات التى هاجت فى عصره، وقد دارت "هرطقته" حول نقطة واحدة هى نفى القول بالقدر، ورغم ذلك سمى مذهبه بالقدرية على عكس دلالته.
ويرى يوسف زيدان أن "معبد" يخالف المذهب الجبرى الذى عمل الأمويون على تعميمه بين الناس ليبدو حكمهم من الله وأن الإنسان ليس بيده شىء.
بعد ذلك يعرض يوسف زيدان لـ"غيلان الدمشقى" الذى عاش فى القرن الأول بدمشق واشتهر بصلاحه وورعه وتقواه فعهد له الخليفة عمر بن عبد العزيز بتصفية أموال الظالمين من أقاربه، وقال الدمشقى إن الإنسان مخير وأنه سيحاسب على اختياره وهو الأمر الذى توسع فيه المعتزلة فيما بعد وتحول لنظرية الحرية الإنسانية التى ناقضت تماماً مبدأ الجبرية، وقد خالف عمر بن عبد العزيز آراء صديقه، وزاد الأمر فقتله الخليفة هشام بن عبد الملك.
وثالث الذين وقف معهم "زيدان" الجعد بن درهم الذى عاش بالشام وعمل مؤدباً لأبناء الخلفاء، وكان فكره أن الله منزه عن صفات الحدوث، كما كان ينكر بعض الصفات الإلهية ومنها الكلام، فرفض القول القرآنى أن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وأنه كلم موسى لأن ذلك لا يجوز على الله.
ورابعهم كان الجهم بن صفوان الذى توفى فى عام 128 هجرية ويعتبر مؤسس حركة الاعتزال وكان يؤمن بخلق القرآن لا نزوله على مراحل، وينزه الله من الصفات ويقول إن الله فى كل الأمكنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة