تعرف الطوارىء بأنها التدابير المستعجلة لمواجهة ظروف غير عادية، تهدد البلاد أوالعباد، وبالتالي فإن الأحكام والتشريعات والقواعد التي تصدر فيها تكون خلافا للأصل سواء كان أمرا أو نهيا أو رخصة، وذلك لمواجهة مشكلة أو أزمة يعجز عن حلها الفقه التقليدي.
وقد تأخرت المجامع المسكونية والفقهية ومجالس التشريع الدينية في الأديان المختلفة في حل إشكاليات ومستحداث فقهية فرضتها جائحة كورونا، مما أثار الجدل والحيرة بين أتباع الأديان والسؤال عما إذا كان التخلي عن بعض الطقوس يخالف العقيدة أم لا؟ وما تبرير ذلك في الكتب المقدسة؟.
فقد تغيرت طقوس الصلوات والأفراح والجنازات والدفن والمعاملات عند أتباع الديانات الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد أفتى حاخامات اليهودية بمنع طقس "الكيدوخ" وهي عادة للتبرك يقوم خلالها المؤمنون بشرب النبيذ من كأس واحدة، لأضرارذلك في سرعة انتشار عدوى الفيروس، بالإضافة إلى منع العناق والأحضان والالتصاق في الأعياد اليهودية.
وأجاز الحاخامات نقل جثث ضحايا كورونا لكي يقوم بتغسيلها أفراد يرتدون ملابس وقاية كاملة ويتم لفها بغطاء بلاستيكي محكم، وقبل الدفن تُلف الجثث بالبلاستيك مرة أخرى بعد أن كانت الشرائع اليهودية تنص على أن يوارى المتوفى من اليهود الثرى في ثوب فضفاض وكفن دون نعش.
وبالرغم من أن الكنائس المسيحية السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية تحركت مبكرا وأجازت تعديل طقس التناول باليد بدلا من الملعقة ، وهذا الطقس أو سر الأفخارستية" العشاء السري" الذي يعتبر من دستور الإيمان في المسيحية، حيث يختتم القداس الإلهي بصلاة السيد(أبانا الذي)، تبادل تحية السلام بين المؤمنين ثم المناولة على شكل توزيع قطعة خبز، والشرب من كأس الخمر الإفخاريستي". إلا أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تأخرت في إعلان جواز تعديل هذا الطقس على لسان البابا تواضروس، بما لا يمس العقيدة، مما أثار الجدل داخل الطائفة بين مؤيد ومعارض. بما يؤكد ضرورة اجتماع المجمع المقدس المحلي والمجامع المسكونية بين الطوائف للنظر في تحديث الفكر الديني بما يتناسب مع مستجدات العصر.
إن كثيرا من الكنائس الغربية استعاضت عن تبادل السلام اليدوي بإحناء الرأس أو وضع اليد على الصدر، وكذلك الاستعاضة عن تقبيل صليب المطران أو يد الكاهن بإحناء الرأس أمامهما. كما تم استبدال جرن الماء المقدس، التي يضع فيها المؤمنون أصابعهم من أجل التبرك أثناء الدخول للكنيسة، بعبوة للسائل المعقم.
وعلى كثرة الجدل المثار حول إغلاق المساجد كليا أو جزئيا ومنع صلاة الجمع أو اقتصارها على مساجد بعينها وعدد محدود من المصلين، و تباعد في الصفوف وتأجيل الحج والعمرة والقيود الصارمة في الجنازات والدفن والعزاءات، وغيرها من الطقوس الدينية الإسلامية، حفاظا على النفس الإنسانية من انتشار وباء كورونا، فإن المجامع الفقهية في العالم الإسلامي تأخرت كثيرا في عقد اجتماعات افتراضية موحدة، لبحث مستجدات فقه الطوارىء وما تفرضه أزمة كورونا من تحديات تحتاج إلى إجماع وآراء موحدة، وبالمثل كل رجال الديانات المختلفة والعلماء والباحثين في الفقه وعلوم اللاهوت، من واجبهم العمل على تحديث الفكر الديني، بما يخدم الإنسانية ويحقق الأهداف السامية التي وجدت من أجلها الأديان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة