لكل الدول مهما كان حجم ما تمتلكه من إمكانيات قدرة ذات مدى معين على الفعل والحركة والتأثير، بالطبع يختلف الأمر بصورة واضحة، وتبدو الفوارق حادة فى بعض الأحيان بين بلد وآخر تبعا لحجم الاقتصاد، والموارد، والإمكانيات وكذلك درجة التقدم التكنولوجى، فسقف الغطاء الصحى والاجتماعى الذى يحظى به المواطن فى اليابان أو أمريكا لا يمكن أن يقارن بالطبع بما يتوافر لنظيره فى الصومال أو اليمن، لكن بشكل عام لا توجد دولة فى العالم مهما كان ما تتمتع به من قوة قادرة على الانتصار فى معركة صغيرة أو كبيرة، دون التفاف شعبى واضح حتى لو كان فى مواجهة وباء مثل كورونا.
أقول هذا وأنا أرصد الزيادة المتواصلة والملحوظة فى معدلات انتشار فيروس كورونا خلال الأيام الماضية، والتى تبدو لافتة للغاية، وبحاجة منا إلى قدر كبير من التأمل والدراسة حتى يمكن أن نوقف من زحف الفيروس أو على الأقل نحد من معدلات انتشاره أو نفهم سر تزايد معدلات الإصابة به.
دعنا نستعرض معا المشهد إجمالا: عبر عدة تساؤلات نسعى معا للإجابة عليها علنا نصل إلى نقطة الفرس كما يسمونها أو مكمن الداء كما نريد ونرجو.
هل كان دور الدولة كافيا؟
بداية فإن دور الدولة فى إدارة الأزمة منذ اللحظة الأولى، وحتى الآن كان محطة لإشادة واسعة من العديد من الأطراف الدولية، إلى الحد الذى اعتبر فيه البعض النموذج المصرى ملهما، كما أثنت عليه منظمة الصحة العالمية أكثر من مرة، وكى تدرك معى حجم التحدى جيدا فيجب أن تعلم أنك تتحدث عن 100 مليون مواطن، واقتصاد واعد يصمد جيدا حتى الآن أمام عاصفة قوية اقتلعت بنية دول بأكملها، وسوف تكون هناك تأثيرات سلبية على المدى الطويل طبعا بلا شك كغيرنا من دول العالم.
انظر معى بعين الإنصاف وأجب :
هل تأثر مخزون السلع الأساسية أو هل اختفى أى نوع من أنواع الأدوية الحيوية أو ألبان الأطفال رغم توقف حركة الطيران؟
لم يحدث ذلك .
هل تأثر رغيف العيش بأى شكل من الأشكال؟
لم يحدث ذلك.
رضيت الدولة بأن تتحمل الفاتورة الباهظة للفيروس منذ اللحظة الأولى حيث طالبت الناس بالبقاء فى منازلهم، وخفضت طاقة العمل، وصولا إلى حد تعطيل قطاعات بأكملها، ولم تترد عن إعلان حظر التجول قرابة الشهرين رغم ثمنه الفادح فى الوقت الذى ترفض فيه دول مثل البرازيل اتخاذ قرار واحد من تلك القرارات حرصا على الاقتصاد.
لماذا لم تتراجع الإصابات مع هذا كله وتواصلت فى الارتفاع؟
سؤال يبدو محيرا، نعم للفيروس ذروة يصل إليها فى كل دولة من دول العالم قبل أن يبدأ فى التراجع، ولكن لماذا لم يتوقف المنحنى عن ما تم تسجيله خلال أبريل الماضى على سبيل المثال وواصل الصعود بعد ذلك بدلا من التراجع رغم كل الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة.
وإذا كانت الإصابة فى صفوف الجيش الأبيض مبررة ومنطقية فى ظل التعامل الدائم مع المرضى على مدار الساعة، فإنها فى صفوف بقية المواطنين تطلب منا جميعا جهدا أكبر للتفسير.
هل التزم كل منا بالتعليمات الرسمية بدقة شديدة خاصة فيما يتصل بالتجمعات؟
للأسف لم يحدث بصورة واسعة، حيث شهدنا زحاما فى أماكن شتى رغم التعليمات الرسمية بتجنب الزحام، وبذل الجهات الرسمية بالتعاون مع المتطوعين من الشباب جهودا واسعة فى هذا الصدد، وهو ما المشهد المشرف الذى تابعناه خلال صرف المعاشات ومنحة العمالة غير المنتظمة وتعقيم الشوارع والأماكن العامة.
هل امتنع الناس خاصة المرضى وكبار السن عن النزول للشارع إلا للضرورة؟
قم بزيارة سريعة لأقرب قرية مصرية إليك ستجد النساء مازلنا يفترشن الطرقات، فيما يواصل الأطفال اللعب فى الشارع، بينما يمارس البعض من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة طقوس حياتهم اليومية، وكأن شيئا لم يحدث، ويحدث هذا حتى اللحظة التى أحدثك فيها الآن.
هل اتخذنا كآباء وأمهات الإجراءات الكفيلة بحماية صغارنا من المرض فى ظل إدراكنا لخطورة الفيروس؟
هل سمعت عن ذلك الرضيع الذى دخل المستشفى للعلاج من كورنا عقب إصابته بالفيروس بعد إصرار أسرته على إقامة "سبوع" له بحضور عدد من الأقارب الذين حرصوا على تقبيل الصغير لينقلوا له الفيروس.. أظن أن هذه القصة يمكن أن تفيد فى إدراك طبيعة استخفاف البعض منا بالمرض .
هل اتهم المقصرون منا أنفسهم واعترفوا بخطئهم بشجاعة؟
لم يحدث فيما أظن
هل حاول كل منا أن يقوم بدوره كاملا فى مساعدة الدولة فى مواجهة الخطر؟
ليس على الوجه الأمثل
هل سارع البعض لاتهام الدولة بالمسئولية عن ارتفاع معدل الإصابات؟
نعم قام البعض بذلك
هل التزم هؤلاء أنفسهم بإجراءات الدولة الاحترازية لمواجهة الفيروس؟
للأسف على نطاق واسع لم يفعلوا واعتبروها مقيدة لروتين حياتهم الطبيعى .
هل هناك أسر التزمت بالفعل بإجراءات السلامة؟
نعم هناك أسر لا تخرج الشارع إلا للضرورة القصوى ولمرات محدودة، كما يعيش أطفالها فى حجر منزلى منذ شهور، وهؤلاء يستحقون منا جميعا كل تحية .
هل يمكن القضاء على الفيروس فى مصر أو على الأقل حصاره؟
نعم مازال الأمر ممكنا ولكن بشرط أن تتغير إجابات الكثير من الأسئلة السابق طرحها .
ختاما: أؤكد أن الإجابات على الأسئلة السابقة تبدو اجتهادا خاصا بى وفق ما أمتلكه من معلومات، وأنها إجمالا تقديرات قد تصيب وتخطئ، وأن الهدف من هذه السطور ليس جلدا للذات أو بحثا عن كبش فداء أو إلقاء المسئولية على طرف دون آخر، وإنما تأتى فى إطار البحث عن أفق أوسع للخروج من هذا الكابوس الذى يهددنا جميعا اليوم.
وقانا الله وإياكم من كل شر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة