فى التاريخ الإسلامى نساء استطعن أن يحفرن أسماءهن بحروف من نور ونار، تمردن على أوضاعهن، فاستجاب لهن التاريخ، وتحول على أيديهن إلى دراما حية لا تموت ولا تُنسى، تظل أحداثها تتردد عبر العصور، ما بين المجد والملهاة والمأساة، ومن بين أبرز الأسماء النسائية فى التاريخ عائشة الحرة، التى اكتسبت القوة والشجاعة من والدها فهى ابنة ملك غرناطة محمد العاشر تملك ثروة ومكانة كبيرة، وتعد من أبرز الشخصيات النسائية في تاريخ الأندلس، كونها حاولت إنقاذ مملكة غرناطة من المؤامرات العديدة التي كنت تحاك لسقوطها، لقبت بـ"عائشة الحرة" و"الأمنية والشريفة".
عائشة، ابنة ملك غرناطة محمد العاشر الأحمر، اكتسبت قوتها من تاريخ عائلتها الملكية الذى يحكى عنه، تزوجت وهى فى سن صغيرة من محمد على أبو الحسن والملقب بالغالب بالله، وفى سن العشرون عامًا أصبحت ملكة وزوجة محمد الحادى عشر ملك غرناطة، أنجبت منه ولدان، أبو عبد الله وأبو الحجاج يوسف.
كانت عائشة ترى أن ابنها أبو عبد الله هو من سيرث الملك من أبيه وسيكون ملك غرناطة القادم، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى الأنفس، ففي إحدى المعارك التي خاضها زوجها الملك ضد النصارى الذين كانوا يريدون الاستلاء على غرناطة؛ وقع في حب احدى الأسيرات، وكانت شديدة الجمال والدلال وتسمى" إيسابيلا" ولقبها الشعب باسم "الثريا" بعد أن أعتنقت الإسلام، ولأنها كانت شديدة الذكاء والتأثير على الملك فضلها على زوجتة الأولى وابنة عمه "عائشة".
-محمد-الثانى-عشر
أنجب الملك من زوجته "الثريا" ولدين سعد ونصر، مما جعل أمهما تطمع في حكم البلاد وبدأت تحيك المكائد لعائشة الحرة، ولكن كان يفضل أن يكون الملك القادم هو أبو عبد الله ابن السلالة الملكية، عن ابن الجارية الأسيرة النصرانية.
لكن الطمع لم يندب في قلب "ثريا" فأثرت على الملك حتى أقصى عائشة ووالديها واعتقالهما في برج قمارش، وشدد الحراسة عليهم وكان في منتهى القسوة، حتى عزم الأب على قتل ولده أبا عبد الله بعد أن امتلئ قلبه بالحقد والغل.
كانت من أهم مميزات عائشة الحرة أن لديها العزم والشجاعة واصولها الملكية وهبتها القوة وعدم الاستسلام، فحاولت الاتصال بأنصارها من كبار عواقل غرناطة الذين رفضوا أفعال الملك بمساعدة حراسها، ومن بين تلك العائلات وأهمها "بنو سراج"، اللذين ساعدوها على الهروب بأبنائها من غلال الملك القاسى وزوجته.
بعد الهروب من برج قمارش استطاعت عائشة أن تختبئ في المدينة، وتثأر لما حدث لها ولابنائها وتخلع الملك الحاكم زوجها وابن عمها محمد الحادى عشر أبى الحسن بحرب أهلية، وأصبح ابنها حاكم غرناطة، ومات والده.
كان معروف عن أبا عبد الله حاكم غرناطة أنه ضعيف الشخصية وليس لديه مهارات القائد الذى يستطيع أن يحمى البلاد، ما أثار عمه "الزغل"إلى أن يخوض حرب أهلية لينال الحكم، ولكن مع دفع "عائشة الحرة" لابنها ودعمه استطاع أن يتغلب علي "الرغل " بنصف بنصف المملكة فقط، بعدها قسمت المملكة إلى جزئين مما أثار فضول العدو النصارنى واستغلال الفرصة وانقض على النصف الذى يحكمه "الزغل" فستسلم ودخل هذا الجزء تحت لواء فرناندو الثانى ملك أراغون وزوجته إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة.
سقوط غرناطة
في ذلك الوقت كانت عائشة الحرة تدعم ابنها وتدفعه للمقاومة وعدم الاستسلام، إلى أن خاض معركة "لوسينا" حتى انتصر فيها فرناندو ووقع أبا عبد الله اسيرًا لدى القشتالين، وبدأت المفاوضات معهم حتى تم تحريره بعد الموافقة على معاهدة سرية، ويكون أبرز بنودها ولاء أبا عبد الله إلى الملك فرناندو، وأن يدفع الجزية سنوية وقدرها إثنا عشر ألف دوبلا من الذهب، ويطلق سراح سبعين أسيراً لمدة خمسة أعوام.
أظلمت الدنيا في وجه أبو عبد الله خاصة بعد حصار غرناطة من ملك قشتالة، فقرر إنهاء الأمر بالاستسلام بعد حصار دام سبعة أشهر، وتم التوقيع على معاهدة التسليم، وغادر أبو عبد الله قصره ومعه أهله وهو ينظر للقصر ويبكى، فصاحت أمه عائشة الحرة وقالت له "إبكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة