- "أحمد" وحيد والديه: حرصى على أداء رسالتى الطبية كان دافعا لمقاومة دموع أمى
- مريم سمير: تابعت علاج والدى المريض عبر الهاتف من أجل الحافظ على سلامة زملائى
تحت شعار ممنوع الاقتراب يعيش أعضاء المنظومة الطبية داخل مستشفى قها للحجر الصحى بمحافظة القليوبية، الذين قبلوا بإرادتهم الحرة العيش وراء أسوار العزل مبتعدين عن أحبائهم مفارقين أسرهم للعمل فى ظروف قاسية محفوفة بالمخاطر، فلا مجال للخطأ أو التهاون فى سبيل الحفاظ على أرواح أخرى ومد يد المساعدة لتعافى الأجساد المنهكة.
باعتبارهم رجال المهام الصعبة وحائط الصد الأول ضد تمدد وانتشار فيروس كورونا، الذين يعلمون على استرداد تلك الأجساد المصابة من بين أنياب الفيروس قبل نجاحه فى إضافتهم لقائمة الضحايا، وعلى الرغم من وقوع زملائهم ما بين مصاب أو شهيد خلال عملهم على خط المواجهة ضد كورونا، إلا أن أفراد الجيش الأبيض بمستشفى "قها" للعزل أكدوا استمرار عملهم وأداء رسالتهم الطبية فى علاج المرضى.
وحيد أبويه
أحمد محمود 23 عاما ممرض فى مستشفى الخانكة المركزى الذى لم يهتم فى بادئ الأمر بفيروس كورونا أو متابعة أخباره لظهوره فى الصين وهى بلد بعيدة جغرافيا عن مصر، لكن بعد تواتر الأنباء عن اتساع معدل الإصابات وانتشاره السريع فى عدد من الدول فلم يعد قاصرا على منطقة جغرافية بعينها إنما امتد فى نشاط واضح ليجتاح العديد من البلدان مخلفًا وراءه مئات المصابين الذين سرعان ما ينتقلوا لخانة الضحايا.
ويقول "أحمد": لم أتصور أن يمتد نشاط الفيروس من الصين ليصيب عشرات البلاد بهذا الكم من الإصابات وحالات الوفاة، لذلك بدأت بالاهتمام بالفيروس عن أعراضه وسبل التعامل معه وبعد إعلان وزارة الصحة عن وجود إصابات بين المصريين كشأن باقى الدول جهزت نفسى للعمل ضمن الطواقم الطبية التى ستعمل على علاج المصابين وبالفعل جاء قرار الانتداب من العمل بمستشفى الخانكة المركزى إلى قها للعزل الذى استقبلته بفرح شديد برغم وجود بعض المخاوف فى البداية.
لم يكن قرار الشاب العشرينى سهلا على أسرته حيث وجد معارضة شديدة من والدته التى طالبته برفض العمل وعدم الانتقال إلى مستشفى العزل قائلة "مش هاسمحلك تموت نفسك وإنت وحيدى"، مستعينة بكل الوسائل للضغط عليه للتراجع عن قراره باستلام عمله فى مستشفى قها، لكن كانت رغبته فى مساعدة المرضى أقوى من محاولتها، ويقول: "وجدت ترحيبا حذرا من والدى الذى يتفهم طبيعة عملى بحكم عمله ممرض فى مستشفى الصحة النفسية، لكن هذا الأمر لم يكن مقبولا بالنسبة لوالدتى التى أصرت على رفضى للعمل بالحجر الصحى وأصابتها حالة انهيار وبكاء خاصة مع متابعة أخبار الإصابات الوفاة التى يتم تناقلها، لكن حرصى على أداء رسالتى الطبية كان دافعا لمقاومة دموع أمى بجانب التقدير الذى وجدناه من المواطنيين عظم المسئولية الملقاة على عاتقنا.
قلق البدايات
وعلى الرغم من سعادته باستلام عمله فى مستشفى الحجر الصحى إلا أن "فيروس مستجد، سرعة الانتشار، سهولة العدوى" عوامل ساهمت من قلق "أحمد" خلال توجهه لاستلام عمله فى مستشفى عزل قها، إلا أنه سرعان ما فارق تفكيره بمجرد التعامل مع الحالات، مؤكدا أن القلق لم يكن بدافع تخوفه على نفسه من الإصابة، إنما كان التخوف الأكبر لديه هو إمكانية تحوله لجسر لنقل العدوى إلى والديه والمحيطين به، خاصة أن والديه من كبار السن ومناعتهما ضعيفة بحسب قوله، وهى المخاوف التى تبددت فور دخوله لمستشفى الحجر الصحى ومشاهدة الحالات، وتذكر أمر واحد فقط هو ضرورة مساعدتهم للتعافى والعودة لأسرهم مجددا، مؤكدا "لا توجد فرحة أكبر من نجاحك أن تكون شريكا فى منظومة ساهمت فى استرداد جسد منهك من أنياب كورونا وعودته لأسرته مجددا".
العائل الوحيد
باعتباره العائل الوحيد لأسرته والدته بعد وفاة والده وأداء شقيقه للخدمة العسكرية كان من الصعب لديهم تقبل فكرة عمله فى مستشفى العزل ومخالطة المصابين، وإمكانية تحوله من معالج ليكون أحد الحالات المصابة حال انتقال الفيروس إليه.
محمد نايل ممرض بقسم الرعاية المركزة بمستشفى قها للعزل يقول "لم يكن الأمر سهلا فى البداية، حيث كان هناك عدد من الأمور التى يجب التفكير فيها فكونى كبير العيلة ورب الأسرة سواء لزوجتى وأولادى وأيضا والدتى بعد وفاة والدى وأداء شقيقى للخدمة العسكرية كانت كلها عوامل ضغط بالنسبة للمحيطين لرفض الانتقال للعمل بمستشفى الحجر خوفا من إصابتى بالفيروس فضلا عن تخوفى من نقل الفيروس لأولادى".
وتابع "وهى مخاوف مشروعة ولا يمكن الخجل منها، لكنها تتعارض مع واجب المهنة والرسالة المكلف بها فى تعافى المرضى أى كان نوع المرض الذى أصابهم سواء كان فيروس مستجد أو مرض متعارف عليه، لذلك لم أستسلم لهذه المخاوف السابقة وتركها للسيطرة على تفكيرى ومنعى من أداء الواجب فى رعاية المصابين بالفيروس مع التشدد فى اتخاذ الإجراءت الوقائية من مطهرات وارتداء الزى الطبى.
كتيبة الإمداد
"أحد أسباب الانتصار بجانب التدريب الجيد هو وجود سلاح جاهز وصيانة مستمرة وهو ما نعمل على توفيره باستمراربالنسبة لأعضاء المنظومة الطبية فى تجهيز وصيانة الأجهزة الطبية المستخدمة فى العلاج.. هكذا قال أحمد عرفات رئيس قسم الصيانة والأجهزة الطبية بمستشفى عزل قها، موضحا طبيعة عمله بقوله: يقع على عاتق العاملين بذلك القسم متابعة عمل الأجهزة الطبية بالمستشفى ومحاولة رفع أدائها بجانب التدخل السريع بالصيانة والتجهيز فى أسرع وقت حال وجود أى أعطال مفاجئة بأحد الأجهزة.
خلافا للعديد من زملائه يتعامل "عرفات"، مع فيروس كورونا على أنه من الأمراض التى سينجح العلم فى تطويعها واكتشاف علاج لها فى القريب العاجل، إلا أن ما كان يؤلمه هو ابتعاده عن أولاده فترة 54 يوما متصلة بسبب عمله فى مستشفى الحجر واضطراره بعد عودته إلى منزله إلى عزل نفسه فى حجرته طوال فترة 14 يوميا مدة إجازته بدون احتضان أولاده أو القرب منهم حرصا على سلامتهم، وهو ما يعبر عنه بقوله: "لم يصبنى الخوف لحظة واحدة من العمل بمستشفى العزل أو خطر الإصابة بفيروس كورونا فهذا أمر بيد الله بجانب الأخذ بالأسباب وهو ارتداء الملابس الواقية واستخدام المطرات باستمرار لكن المؤلم هو الابتعاد عن الأسرة وخاصة الأولاد مدة طويلة وعند العودة للمنزل لا أستطيع تقبيلهم أو احتضانهم ووجودى فى عزل إجبارى لا أفارقه داخل منزلى لخوفى عليهو وضمان سلامتهم.. مؤكدا : هذه ضريبة علمنا ونتقبلها بصدر رحب ورضا ونرجو أن يتقبل الله علمنا عنده".
الملاك الحارس
طبيعة عملهم فى قسم مكافحة العدوى يجعلهما مسئولاتين عن حماية طاقم العاملين فى المنظومة الطبية داخل مستشفى قها للحجر الصحى، ومنهم مريم سمير التى كان عليها المفاضلة بين خيارين كلاهما صعب وهو رعاية والدها المريض أو تلبية نداء الواجب وتحمل مسئوليتها عن سلامة زملائها بصفتها المسئولة عن مكافحة العدوى والتأكد من جاهزية الأطقم الطبية واتباعهم لإجراءت السلامة والأمان للوقاية من فيروس كورونا، والتى استطاعت التغلب على تلك العقبة من خلال قولها "كنت فى خياريين كلاهما مر إما الاعتذار عن عملى بمستشفى الحجر الصحى لرعاية والدى المريض أو التفريط فى رعاية وسلامة زملائى بصفتى مسئول مكافحة العدوى والمخاطرة بسلامتهم عند مخالطتهم للحالات المصابة وإمكانية تسلل المرض إليهم، لكن فى النهاية اهتديت إلى إمكانية التوفيق بين كلا الأمرين معا وهو الذهاب لمكان عملى والانضمام لزملائى فى معركتهم ضد كورونا والاطمئنان ومتابعة حالة والدى الصحية من خلال الهاتف".
وتقول أسماء سامح عبد السلام والتى تعمل فى نفس القسم "مهمتنا الحفاظ على زملائنا من الطاقم الطبى بالكامل أطباء عمال فنين وتمريض من خلال تأكد من ارتداء الملابس العازلة الواقية من الفيروس بجانب الماسكات والواقيات الشخصية مع استعمال المطهرات والكلور لضمان توفير أقصى حماية للزملاء عند مخالطة المرضى أو أماكن تواجدهم خلال أدائهم لمهاهم المختلفة".
نأجيل الزفاق
علامات استفهام كثيرة طرحتها أسرته عن "هل هناك إمكانية لانتقال العدوى لابنهم العريس المنتظر، وماذا عن موقف خطيبته، وهل يمكن التعامل مع العريس المنتظر وفرحتهم المنتظرة على أنه حاله مرضية بسبب فيروس لم يتم اكتشاف علاج له"؟ نتيجة المفاجأة وعدم استعدادهم لذلك الموقف خاصة بعد علمهم أن عمل ابنهم فى مستشفى العزل ينطوى على قدر كبير من الخطورة بسبب مخالطته لحالات مصابة تقتضى عناية خاصة فى قسم الرعاية المركزة، لذلك حاولوا إثناءه عن قرراره أو محاولة تأجيله.
ويقول محمد هانى: "لم تكن محاولات أسرتى بتأجيل الذهاب لمستشفى العزل بهدف إثنائى عن العمل وإنما كانت رغبة فى إتمام زفافى وزواجى ثم استلامى لعملى بعد ذلك، لكنى حسمت أمرى وقررت الذهاب لمستشفى العزل لأن هناك من المرضى من ينتظر عودته لأسرته أيضا، وهناك من يرغب فى مشاهدة أولاده مجددا وبالفعل وجدت مساندة من خطيبتى وتشجيعا على ذلك، وهو ما عبرت عنه بقولها: "أذهب لعملك فى مساعدة المرضى وربنا متكفل بحمايتك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة