يعتبر الأب الدكتور جورج شحاتة قنواتى (1905-1994)، أحد رواد المدرسة المصرية للحوار الدينى، و التي تضم عددا من المفكرين المسيحيين ومنهم المستشار وليم سليمان قلادة ونظمى لوقا وآخرين، ممن أسهموا بأعمالهم الفكرية والمجتمعية فى آن واحد فى نشر ثقافة التعايش والحوار الديني في مصر.
وقد انضم قنواتى للآباء الدومنيكان (نسبة إلى القديس دومينيك وهو من أتباع أرسطو وتوما الإكوينى)، والذى عاد إلى مصر عام 1944 بعد حصوله على الدكتوراة فى اللاهوت من وأسهم فى تأسيس معهد الآباء الدومنيكان للدراسات الشرقية بالقاهرة، والذى يضم أكبر مكتبة بحثية مجانية فى مجال الأديان، ويقدم منحا بحثية فى مجال الحوار بين الأديان بالإضافة إلى استضافة باحثين عرب وأجانب فى السيمنار العلمى الشهرى للمعهد والندوات والمؤتمرات المختلفة. (العراقى، عاطف ، العقل والتنوير،عمل الأب قنواتي خلال نصف قرن على إرساء لغة الحوار في المجال الإنساني عن طريق الثقافات والأديان، وأصدر عددا من المؤلفات منها: المسيحية والحضارة العربية، والمسيحيون في مصر، وفلسفة ابن رشد التي تميز فيها تميزا فائق الحد والوصف، وفي صحة إيمان ابن رشد في ضوء الجدال بين فرح أنطون والشيخ محمد عبده، و فلسفة الفكر الدينى بين المسيحية والإسلام.
ولقد كان الحوار المسيحي الإسلامي الشغل الشاغل للأب قنواتي وكان ثمرة ذلك أن قام الفاتيكان بتعيينه مستشارا لهذا الحوار في السكرتارية الخاصة بالمؤمنين غير المسيحيين، فاشترك في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني المنعقد في روما من 1960- 1964، والذى خرج بنتائج مهمة لصالح الحوار المسيحي الإسلامي، وألقى العديد من المحاضرات في روما وفي مدن أخرى لتنشيط الحوار بين الأديان والثقافات.
لم يرد جورج قنواتي في نهجه الحواري أن يكون المواطن - أيًا كان معتقده - واقفًا محلك سر من حضارة وطنه الفكرية تحت مظلة التعلل بالخوف من الآخر القريب والمجاور، أو تحت تأثير هاجس نفسيّ قد يكون صنعه لنفسه يجعله أثير فكرة مزعومة قوامها ظلم الأغلبية؛ بل كان مؤمنًا بأن الحوار أيسر السبل لتحقيق السلم المنشود بين الأمم والأوطان.
ومن ثَمَّ، كانت جهوده العلمية في علم الكلام والتصوف، حيث عمل الأب قنواتى على إعادة قراءة علم الكلام الإسلامى واللاهوت المسيحى، بغرض بيان المشتركات الفكرية بين العقيدتين، وتأسيس قنوات للحوار بين أبناء الطائفتين، لأن الاختلافات والفوراق فى الحقيقة لاتفسد للود دقضية، ولا تصل بأبناء الطائفة إلى الصدام، وحمل السلاح ضد الطائفة الأخرى، فالعقيدة الإنسانية عقيدة المحبة".
قدم قنواتي مؤلفات عديدة تصب لصالح التسامح والحوار ومنها فلسفة الفكر الديني بين المسيحية والإسلام، بالاشتراك مع الفيلسوف الفرنسي لويس غارديه، مبينا أهمية اللقاء بين المسيحية والإسلام فى قيم المحبة والتقرب إلى الله بالتعاون وليس التنافر والتناحر. فالارتباط بين الديانتين يوسس لنظام متكامل للسعادة بين المؤمنين.
لقد كانت فلسفة الأب الدكتور جورج قنواتي تقوم على المحبة فالله واحد، قيوم، خالق السماوات والأرض، محب البشر، مرسل الأنبياء، وكلها مشتركات بين الديانات وأنها متشابهة فى إثبات وجود الله، فكان قنواتى فى دراساته العلمية يتناول قضايا المؤمنين أخوة ويحيى الموتى كمنظور مشترك فى التوحيد.
إنه رجل حوار وتسامح ومحبة إنسانية، كما يقول عنه تلميذه الدكتور عاطف العراقي مضيفا "لم يكن قنواتي من أصحاب الأصوات الزاعقة التى تدعو للحوار دون جدوى، بل كانت دعوته تستند على الدوام إلى قناعة راسخة بأن فى الحضارة والفكر الإسلامي ما يجب أن نتوقف أمامه كثيرا وطويلا للاستفادة منه".
والجانب المهم فى تراث قنواتي أنه قام بتوثيق إسهامات المسيحيين العرب فى الحضارة الإسلامية فى الترجمة والطب والصيدلة والفلسفة ولعبوا دورا مهما فى انتقال التراث اليوناني و الاغريقي إلى العرب، كما أنه فى الوقت نفسه قام بتحقيق وتوثيق تراث ابن رشد وخاصة كتابه "فصل المقال فيما بين الشريعة والحقيقة من اتصال" موضحا مدى تأثير ابن رشد الكبير فى فترة العصور الوسطى ومحاولاته التوفيق بين الفلسفة والدين.
ما أحوجنا ان نعيد قراءة رموز التعايش والحوار الديني واسهاماتهم فى التصدي للتطرف الديني ومواجهة الصراعات المسلحة بالفكر والعقل ولغة الحوار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة