" يظلون في غيًهم فاجرين " هكذا نعت محمود مزروعة أستاذ العقيدة قبل سبعة عشرة سنة الذين يتمادون في فسقهم يصفون الراحل فرج فودة الذي اغتيل غدرا بالشهيد ، ولا أظنه غير رأيه الذي هو حكم نهائي بات لا يقبل النقد، يعني كاتب تلك السطور الذي اختار هذا العنوان لمقاله بات في عتاد الزنادقة والعياذ بالله
وهنا قد يقول قائل أن هذا كلام مضي وقد ولي زمانه ، والحاضر صار يدحضه ، لكن مع الأسف العكس هو الصحيح المعيش ، فأمثال الرجل كثيرون تحتضنهم مؤسسات دينية متجذرة السطوة ، يرددون ذات العبارات ومنهم من يزيد عليها بأخري أشد قسوة وفتكا ، بيد أن حديثنا اليوم يأتي على خلفية تغريدة حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي ، تضمنت مفردات صارخة لم تنل من مكانة الراحل فحسب بل جردته من أدميته وانسانيته ، فرغم مقولة أذكروا محاسن مواتكم ، إلا أن هناك لم يعتبر فودة قد مات بل نُفق كالحيوانات.
وعلي حد علمي لم اسمع أو أقرأ تنديدا أزهريا يشجب هذا الانحطاط الاخلاقي ، ويالها من مفارقة فقد رفضوا بكل إباء وشمم تكفير الداعشيين برابرة العصر، زاعمين بأنهم يستندون لآيات الذكر الحكيم ، وفي المقابل كفروا بنفس النصوص القرآنية فودة ومعه كل الذين عملوا على تفنيد الأسس العقائدية لهؤلاء التكفيريين ومن يدور في فلكهم من السلفيين غير الصالحين أبدا.
ولعلي أتذكر تلك الأجواء شديدة القتامة والتي طلت علينا في صيف العام 1993 ، وما زاد من قيظه اللافح ، هذا السجال لبعض بمن أدلو بشهاداتهم بشأن عملية اغتيال فودة وفي مقدمتهم مزروعة والشيخ محمد الغزالي وكلاهما ينتميان للأزهر الذي كان سباقا في التمهيد لوضع النهاية الدموية لهذا المفكر المصري البارز، والمفارقة أن مزروعة وهو يهم بالسفر لقطر قبلة التأسلم الجهادي ذهب للمحكمة وفي يقينه أن فودة مرتد ويجب قتله.
أما الغزالي فقد أعتبر أن الشخص المسلم ليس فقط من ينطق الشهادتين بل عليه أن يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية فيما عدا ذلك لا يصبح مسلما ، أما من يدعون صراحة إلى اعتماد مبدأ الدولة المدنية العصرية والتخلى عن الدعوات المغرضة حول تطبيق الشريعة، فحتما هم " كافرون ظالمون فاسقون " في نظر هؤلاء المتطرفين ومن لطف المولي عز وجل على هذا البلد الأمين أن القضاة لم يرتكنوا لشهادتيهما وإلا تم إطلاق سراح القتلة بل ومنحهم صكوك النصر المبين على القوم الكافرين.
لكن الشي اللافت أن الغزالي وهذا محض ظن وتخمين مني ، أنه في الغالب الأعم لم يقرأ مؤلفات والد صهره الأديب الكبير إحسان عبد القدوس وأن كان قد قرأ فيقينا سيكفره وسيكون دليله الدامغ " أنا حرة" .
والسؤال إلى أين نحن سائرون ؟ فبعد الهزيمة الحضارية في 1967 ثم انتصار 73 ، كان يحدو للكثيرين ــ حتى وأن لم يمتلكوا الأسانيد التي تحلل الواقع آنذاك ــ بزوغ مرحلة جديدة يسودها إعمال العقل كمدخل لنهضة حضارية تقوم على أسس بنيوية حقيقية إلا أن تلك الأحلام سرعان ما تبددت ليصحوا أصاحبها على نقيض ظلامي مروع ، فالرجوع إلى الوراء لم يعد ملاذا بقدر ما أصبح منهجا وطريقا على الجميع السير فيه وإلا فالتصفية ستكون جزاء لكل متمرد.
الغريب إن إعلامنا في المُجمل والمرئي تحديدا ، يبدو وكأنه غير مكترث بالأمر ، فبعضا من برامجه تسير في الاتجاه المعاكس لمدنية الدولة المصرية ، نادرا ما أتي بحوارات عقلانية لكنه مُولع بالغيبيات الأحادية ، في حين أن شبكات ناطقة بلغة الضاد تحتضنها بلدان شقيقة لنا لا تفوت أي فرصة أو ذكري رحيل أحد رموزنا ، إلا و تفسح المجال لإطلالات نيًرة تبرز المتنورين المصريين ودورهم في إثراء الحياة الفكرية ليس في محيطنا العربي بل والعالمي أيضا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة