حالة من الهدوء، سادت العالم في الأسابيع الماضية، في ظل "الهدنة" التي فرضها فيروس كورونا على العالم، فعدوى الاحتجاجات التي انتقلت خلال عامين من أقاصى الأرض إلى أقاصيها، تراجعت، إلى الصفر تقريبا، في إطار مخاوف التفشى الكبير للفيروس القاتل، وكذلك القيود المفروضة على الشعوب، لتهيمن حالة من الركود على ما يمكننا تسميته بـ"الأنشطة الاحتجاجية"، وتصبح جزءً من نطاق أوسع، توقفت فيه حركة الاقتصاد، وتزايدت فيه البطالة، بل وطالت حركة المواطنين في الشوارع، ليصبح "البقاء في المنزل" شعارا عالميا.
إلا أن "هدنة" كورونا يبدو وأنها لن تستمر طويلا، مع ظهور بوادر احتجاجات في مناطق متفرقة حول العالم، على غرار ما شهده مؤخرا إقليم هونج كونج، من عودة نشطائه إلى الشوارع والمولات التجارية، ليرفعوا من جديد لواء التمرد على الإدارة الصينية الحاكمة، متناسين، رغم ارتدائهم الكمامات، بمخاطر مثل هذه الدعوات صحيا واقتصاديا، في إطار التداعيات التي قد تعيد الأمور إلى المربع الأول من جديد، بعد نجاح الحكومة المركزية في بكين، في احتواء الأمور، سواء في بر الصين الرئيسى، أو في الأقاليم التابعة لها.
موجات الاحتجاج "الخجولة" لم تقتصر على إقليم هونج كونج، وإنما امتدت، في الأيام الماضية، إلى العراق في ظل أزمته السياسية الراهنة، ولبنان، بسبب ألامه الاقتصادية، بل وظهرت كذلك في دولا أوروبية، على غرار ألمانيا في إطار المطالبات، بتخفيف أو إنهاء القيود المفروضة على المواطنين، كما أن بعض الولايات الأمريكية شهدت بعض التظاهرات، وإن كانت تحمل تأييدا لتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستعادة النشاط الاقتصادى جزئيا، للتغلب على تبعات كورونا الاقتصادية، في ظل تعنت سلطات الولايات المحلية في الاستجابة
دوافع الاحتجاجات التي تشهدها كل دولة تبدو مختلفة عن غيرها، فنشطاء هونج كونج يطمحون في الاستقلال ويسعون لاستعادة الزخم السياسى في مرحلة "الهدنة"، بينما تبقى ملفات الفساد المؤرق الرئيسى للعراقيين، في حين أن الأوجاع الاقتصادية تؤلم مواطني لبنان، في الوقت الذى أصبحت فيه قيود كورونا عبئا على سكان أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن ثمة تشابهات ربما تجمع المشاهد المختلفة، لتضعها جميعا في كادر "سينمائى" موحد، أبرزها ظهور ثنائية الفيروس الذى يمثل تهديدا للعالم بأسره، من جانب ومحاولات إحياء الفوضى من جديد، عبر العودة لإثارة الاحتقان داخل المجتمعات من خلال دعوات الاحتشاد في الشوارع، ومواجهة قوى الأمن، لتحقيق مكاسب، على حساب صحة المواطنين وحياتهم، من جانب أخر.
الاحتجاج بـ"نكهة الفيروس" يحمل استراتيجية مختلفة تماما، عن تلك المظاهرات التي شهدناه قبل أشهر قليلة، والتي حملت أهدافا بعضها اقتصادى، وبعضها سياسى، خاصة إذا ما نظرنا إلى التوقيت، المتزامن مع ذروة الأزمة العالمية، والتي يبدو فيها العالم منشغلا بمعرفة التطورات المرتبطة بها، فالاحتجاجات الأخيرة تحمل في طياتها مؤامرة، تحمل أبعادا دولية، تهدف في الأساس إلى وضع المزيد من الضغوط على كاهل الحكومات، عبر الجموع المحتشدة، وبالتالي احتمالات زيادة رقعة الإصابة، لتصبح الأنظمة في ورطة أكبر، تجبرها على الرضوخ لمطالب الشارع.
المشهد الاحتجاجى الجديد ربما لا يقتصر في نطاقه على أهدافه المعلنة، وإنما يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، ليتجاوز أزمات الداخل، إلى فرض أجندات ورؤى أجنبية، في ظل مشهد دولى صراعى، يضع إرهاصات النظام العالمى الجديد، وطبيعة الصراعات الدولية التي سوف تهيمن على العالم في المستقبل القريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة