على ما يبدو فإن العالم العربى القضائى وعلى رأسه مصر أصبح فى سباق مع الزمن خلال تلك الفترة الحالية لتفشى فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 - بتعزيز جهود خطة تطوير المنظومة القضائية فى مصر وميكنتها عن طريق الإسراع فى التحول الرقمى والميكنة، وتطوير ورفع كفاءة مقرات المحاكم، وذلك بغرض التسهيل على المواطنين، والحد من حالة التكدس والازدحام داخل المحاكم والنيابات للحفاظ على صحتهم.
وخلال الأيام الماضية تجددت مطالب عديدة بالأوساط القضائية والقانونية، بضرورة عقد جلسات المحاكم بنظام إلكترونى يسمح بشكل مباشر بحضور أطراف التقاضى وعموم الجمهور للجلسات "عن بعد" وهو ما يُعرف بالتقاضى الإلكتروني، للحد من التجمعات البشرية ومواكبة التطور والحداثة لاسيما فى ظل أزمة كورونا، كما هو الحال فى محاكم دبى التى استأنفت عملها إلكترونيا، بدءًا من الأحد 19 أبريل على اختلاف درجات التقاضى الثلاث الابتدائية والاستئناف والتمييز.
المنظومة القضائية فى دبى وجلسات البث المباشر
المنظومة القضائية فى دبى اعتمدت على عقد الجلسات بشكل مباشر على مرأى ومسمع الجميع عبر برنامج الاجتماعات الشهير Microsoft Teams، الذى يتيح تبادل المستندات والاستماع لمرافعة الدفاع أو الشهود، كما يتضمن النظام، تخصيص محاكم دبى قسما بموقعها الإلكتروني، لجداول الجلسات مدون به تاريخ الجلسة واليوم والوقت والقاعة واسم الدائرة، على أن يكون متاحا الضغط على زر مشاهدة الجلسة أثناء انعقادها مباشرة فى الموعد المحدد وذلك بالصور والصورة عبر البرنامج، كما يشمل النظام، برنامجا لمدرين الجلسة، لتدوين تفاصيلها ونص القرار أو الحكم، والذى يعلن أيضا عبر الموقع ويرسل برسالة نصية أو إلكترونية إلى ذوى الشأن.
وفى الحقيقة، فإن كوفيد 19 كان له أعظم الأثر على القطاع القضائى من حيث تعطيل المحاكم وغيرها من القطاعات على مستوى العالم، فالحديث فى الوقت الراهن حول منظومة العدالة الإلكترونية المتكاملة عصر ما بعد الكورونا وأمل القطاع القضائى بجناحيه القضاء الواقف والجالس للالتحاق بركب العدالة الرقمية والمحاماة الالكترونية عقب انحسار فيروس كورونا قريبا بإذن الله تعالى.
إشكالية التقاضى تشغل بال الملايين
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تشغل بال الملايين، حيث أثبتت أزمة كورونا وجوب أن التطوير من آليات ممارسة تحقيق العدالة الرقمية وتيسير العمل بالنسبة للقضاة والمحامين وأدوات عمل المحامى لتيسير الإجراءات وضمانا لإستيداء الحقوق بأسهل الطرق وفى أسرع وقت وبسط سلطان العدالة على أوسع مدى ممكن، باستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تحقيق الولوج المستنير لمرفق العدالة وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين فى ميدان القانون والقضاء "المحامون، القضاة، موظفو المحاكم والنيابات والإداريين وكل العاملين فى الحقل القانونى فنيا وإجرائيا وقضائيا".
وزارة العدل تبدأ تنفيذ خطة العدالة الرقمية
فى البداية – يقول الخبير القانونى ورئيس المحكمة السابق – المستشار أحمد عبد الرحمن الصادق، أن الفوائد الرئيسية لنظام العدالة الرقمية تتمثل في زيادة كفاءة النظام القضائي، والحد من التكاليف وتقليص أمد الخصومات القضائية، وكذا تبسيط الإجراءات القانونية والأعمال الإدارية، والزيادة في إنتاجية المحاكم وجودة العمل، مما ينفع الناس ويوفر الجهد والمال والوقت ويطيل عمر البنية الأساسية ووسائل المواصلات ويحد من الزحام ويجعل حياة الناس أيسر .
ووفقا لـ"الصادق" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - كما أن المحكمة الافتراضية بعقد جلساتها عبر مؤتمرات الفيديو كونفرنس يقرب العدالة من المواطنين خصوصا القاطنين في المناطق النائية ويذلل الصعوبات المتعلق بالاختصاص المكاني، إذ أنه في مجال العدالة الرقمية يعفي بعض المتقاضين من الانتقال إلى المحاكم وهذا النظام يحد كذلك من اكتظاظ المحاكم، ويواجه إنزال نظام متكامل للعدالة الرقمية على أرض الواقع صعوبات وتحديات كثيرة تختلف من بلد إلى أخر، إذ أن هناك دول قطعت أشواطا في تطبيق العدالة الرقمية، وبعضها الآخر مازال متأخرا عن الركب، وهذا راجع إلى عوامل بنيوية مختلفة، لكن مصر لديها من الإمكانيات والكفاءات والقيادات المحترمة والخبرة والإرادة ما يمكنها من ريادة هذا التطور الرائع والمفيد.
المحاكم الاقتصادية أول من شهدت رقمنة العدالة
ويُضيف "الصادق" بأن وزارة العدل المصرية لديها خطة متكاملة لهيكلة نمط العمل بالمحاكم وتحديث البنية التحتية، تمهيدا للتحول الرقمي بشكل تدريجي، حيث تتولى الوزارة الإعداد للنظام الجديد بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالتنسيق مع محاكم الاستئناف المختلفة وكانت بداية تنفيذ تلك الخطة بالتعديلات التى قام بها المشرع على قانون المحاكم وعلى رأسها المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008 بموجب القانون رقم 146 لسنة 2019 المنشور بالجريدة الرسمية في العدد 31 مكرر (و) الصادرة بتاريخ 7 أغسطس سنة 2019، وأتاح لأول مرة استخدام وسائل تقنية المعلومات في تقديم خدمات رفع وإدارة الدعاوى القضائية الكترونياً.
الهدف من الخطة المتكاملة لهيكلة نمط العمل بالمحاكم هو دعم وتحسين العدالة الناجزة، وتقديم المُحاكمات السريعة، ومواكبة التغييرات التقنية المُتقدمة والذى سيَسمح باستخدام مكالمات الفيديو خلال المحاكمات في المحاكم المدنية والمحاكم المتخصصة، للنظر في الدعاوى والمنازعات المُتعلقة بالعمل والمسائل المالية والتعاقدات وحقوق الملكية الفكرية، من بين قضايا أخرى، وسوف يشهد النظام القضائي فى مصر "قفزة ذكية"، حيث من المُقرر أن يتم التخطيط لتقديم محاكمات إلكترونية عبر مكالمات الفيديو أثناء الجلسات - أي بدون الحضور في قاعات المحكمة - وكذلك حدوث الترجمة الفورية في إجراءات المحكمة من خلال شاشة تربط بين المُترجمين وأمناء المحكمة والقضاة، بالإضافة إلى خدمات الوساطة والتوفيق الإلكترونية في مجال العدالة الجنائية – الكلام لـ"الصادق".
إجراءات حتمية للحفاظ على سرية إجراءات المحاكمة عن بُعد
وفى سياق أخر – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض الدكتور أحمد الجنزورى – أن مصر مؤهلة خلال الفترة المقبلة لتقديم نموذج "التقاضي عن بُعد" يضاهى دول العالم الأوربي والعربي مثل محاكم دبى التي اعتمدت بشكل كبير على عدة أدوات لتمكين الاتصالات المرئية والمسموعة بين طرفين أو أكثر عن بُعد فى استخدامها، بما في ذلك تبادل الصور والوثائق، مثل تسجيل الدعوى، وإجراءات إرسال الإخطارات القانونية والمحاكمات، وتنفيذ الحكم الصادر عنها، كما أن التقاضي الالكتروني يسمح للطرفين بالحق في أن يطلب أي منهما من المحكمة حضور جلسات الاستماع المادية في أي درجة من درجات التقاضي، عندما يتم عقد المحاكمة عن بُعد، وسوف تنظر المحكمة في الطلب بعد إخطار الطرف الآخر.
وللحفاظ على سرية إجراءات المحاكمة عن بُعد – يقول "الجنزورى" فى تصريح خاص - أن خطة التطوير يجب أن تتضمن التعامل مع كافة التسجيلات الإلكترونية على أنها معلومات سرية، وأنه لا يجوز نشرها أو نسخها إلا بإذن من المحكمة المُختصة حسب ما تقتضيه الحاجة، كما أن سجلات المحاكمة التي يتم إعدادها من خلال استخدام تقنية التواصل عن بُعد سيتم تسجيلها والحفاظ عليها إلكترونيًا، وسوف يتم التعامل معها كمعلومات سرية، ولا يجوز تداول هذه السجلات أو الإطلاع عليها أو نسخها أو حذفها من نظم المعلومات الإلكترونية إلا بعد الحصول على تصريح من المحكمة المُختصة، كما يجب أن يتمتع التوقيع الإلكتروني والمستندات الإلكترونية بنفس الحُجية التي تتمتع به التوقيعات والمحررات الورقية الرسمية المُشار إليها في أحكام قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية.
روشتة من 10 بنود لحين تطبيق العدالة الرقمية
بينما علق الخبير القانونى والمحامى مينا جوزيف على منظومة "الرقمنة" بأن الحلول الرقمية والتكنولوجية في عقد جلسات المحاكمات باتت من الناحية الفعلية هي الحل الأمثل فى الوقت الذي اتجهت فيه أغلب الشركات والقطاعات للعمل عن بعد، لتفادي التجمعات البشرية فضلا عن سهولتها وتوفيرها للوقت والجهد، ومسالة الاعتماد على النظام الرقمي سيؤتى ثماره فى نطاق محاكم محددة، خاصة المحكمة الدستورية العليا أو النقض أو الإدارية العليا، كون تلك المحاكم لها مقر واحد على مستوى الجمهورية، وعدد الدوائر والجلسات بها قليل مقارنة بباقي المحاكم، فضلا عن أهمية الأحكام الصادرة عنها لذوي الشأن.
وقدم "جوزيف" فى تصريح خاص بعض المقترحات المؤقتة لحين تطبيق منظومة "التقاضى عن بُعد" في ظل قيام وزارة العدل باتخاذ إجراءات وقائية لحماية القضاة منها وضع حواجز زجاجية أمام المنصة لتكون عازل بين القضاة ومن في القاعة:
1 - الاتفاق مع وزارة العدل على أن يكون الرول به عدد محدد من القضايا المنظورة.
2 - أن توزع قضايا الدائرة الواحدة على ثلاث جلسات يوميا.
3 - أن يتم وضع شاشة بها رقم الرول المنظور بكل دائرة في غرفة المحامين وعلى باب القاعة.
4 - إيجاد أليه لحل مشكلة الوقوف أمام باب غرف المداولة
5 - منع دخول المتهمين المحبوسين للقاعة ووضعهم فى الحجز مباشرة.
6 – توفير نقابة المحامين الكمامات والمطهرات مجانا بغرف المحامين.
7 - الاتفاق بين المحامين أن يتولى بعضهم قضايا بعض بتكليف نقابي فى الدعاوى التى لا تحتاج لمرافعات كصحة التوقيع وغيرها.
8 - تسهيل إجراءات الحصول على المعلومات بالاكتفاء بتقديم طلب دون طلب تأشيرة النيابة.
9 - سرعة وضع تعديل تشريعى يبيح للمحامى الحضور في كل الجنح والجنح المستانفة بتوكيل أسوة بالجنايات .
10 - أن تقوم كل نقابة فرعية بتوفير عاملين يتولون عن المحامين سداد الرسوم وتقديم الطلبات.
حكم القضاء الإدارى بضرورة تطبيق التقاضى عن بُعد
أما عن أحكام التقاضى عن بُعد فقد سبق لمحكمة القضاء الإداري بإصدار حكم دعى فيه للضرورة التقاضى الإلكترونى عن بعد – وناشد المستشار محمد عبد اوهاب خفاجى في حيثيات الحكم مجلس النواب النظر لتقرير التقاضي الإلكترونى أو التقاضى عن بُعد في عصر يتسم فيه بالتقدم التقني الذي يعتمد على نقل مستندات التقاضي إلكترونيا إلى المحكمة المختصة عبر البريد الإلكتروني، إذ تُفحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص ليتم قبولها أو رفضها وإرسال إشعار إلى المتقاضي يحيطه علما بذلك، ومن ثم فإن تكنولوجيا العصر تعرف ما يسمى بالمحاكم الإلكترونية وذلك كوسيلة للقضاء على بطء التقاضي والتيسير على المتقاضين من التنقل إلى المحاكم مالم يتم استدعائهم من المحكمة , كما يحول دون ازدحام المحاكم بجمهور المتقاضين .
وأضاف القاضى فى حكمه البصير أن المشرع المصرى إذا كان قد أخذ بالتقنية الحديثة فى مجال التوقيع الإلكترونى بموجب القانون رقم 15 لسنة 2004 وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات فإنه يجب التنويه أن التطور التقنى للمحاكم وهى الجزء الحيوى من العملية القضائية أمر لا مفر منه تسايراً مع النظم المعلوماتية الحديثة في العلم القضائي لملاحقة التطور العالمي الذي طرأ على المحاكم الإلكترونية بديلا عن المحاكم التقليدية خاصة وأن السلطة القضائية تذخر بأعضاء يجيدون أصول التقاضى الإلكترونى .
واختتم القاضى الحكم أن القانون لا يسعف وتغل يد المحكمة للنظر فيما يطلبه المدعى من طلبات عن بُعد استناداً إلى نصوص المواد 63 و 65 و 67 و 72 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 وتعديلاته والمادة 25 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 التى تجعل الخصومة القضائية حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى بالادعاء لدى القضاء أي باللجوء إليه بوسيلة الدعوى وقد حدد القانون المصري إجراءات التقدم بهذا الادعاء الذى ينبنى عليه انعقاد الخصومة وهى التي تقوم على اتصال الدعوى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى وتكليف المدعى عليه بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وعلاقة بين هذين الطرفين وبين القضاء من جهة أخرى.
فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الخصمين للخصم الآخر إلى التلاقي أمام القضاء أو لم يكن لأحدهما أو كليهما وجود فلا تنشأ الخصومة القضائية ولا تنعقد, ولما كان المدعى أرسل الدعوى بالبريد السريع الدولي في أربعة مظاريف بلاستيكية بالمخالفة للنصوص المذكورة وبدون أن يودعها بصحيفة قلم كتاب المحكمة لا مناص من الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون, ودعت المحكمة فى حكمها الجديد من نوعه بملاحقة التطور التقني للمحاكم الجزء الحيوي من العملية القضائية بات لازما فى العصر الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة