لا يبدو أن حلا وشيكا يلوح فى الأفق للقضاء التام على فيروس كورونا، وهو ما يسمح بعودة الحياة على الأرض إلى سيرتها الأولى، فمازال العلماء عاكفون فى مختبراتهم على دراسة الأمر، فى حين أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن الوقت مازال مبكرا للقضاء على الوباء فيما يتواصل الإغلاق الكبير لمختلف القوى الإنتاجية فى العالم لمواجهة الفيروس، الذى مازال وللمفارقة يواصل انتشاره، بينما تتصاعد على الجهة الأخرى معاناة ملايين الأسر على الأرض، والتى تأثرت دخول ذويها بشدة خلال الأشهر الماضية بفعل الإجراءات الاحترازية لمواجهة المرض .
هل هناك حل ثالث خارج خيارات الفقر، والمرض التى يقبع الملايين حول العالم أسرى لها اليوم فى ظل أزمة لا أحد يعلم مداها حتى الآن، أظن أن الحاجة باتت ماسة إلى البحث اليوم عن حلول واجتهادات خارج الصندوق بما يؤمن للناس قوتهم ويحمى صحتهم فى نفس الوقت خاصة أن السقف الزمنى للمعركة مع الفيروس يبدو أنه غير محدد أو معروف حتى اللحظة.
كيف يمكن أن نؤمن للناس معاشهم وعيشهم؟ سؤال بات مطروحا اليوم بشدة فى أغلب دول العالم، خاصة مع الثمن الاقتصادى الفادح الذى دفعه الجميع من إغلاق الاقتصاد، ووقف الطيران، وتجميد الكثير من الأنشطة الاقتصادية .
حياة الإنسان أغلى من أى شىء آخر، والمخاطرة بها غير مقبولة، وتقدم الدول يعتمد بالأساس على ما تمتلكه من طاقات بشرية بجوار من تحوزه من موارد وثروات طبيعية وإمكانيات تكنولوجية، ولهذا فإن مصر كانت فى مقدمة دول العالم التى لجأت إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، كما خصصت 100 مليار جنيه لمواجهة الوباء والسيطرة عليه .
وفى المقابل فإن حياة بعض الفئات فى مصر تأثرت كثيرا بالأزمة، كما حدث فى جميع دول العالم، وهو ما دفع البعض اليوم حتى فى أكثر الدول رفاهة وتقدما للتساؤل عن موعد العودة إلى العمل والإنتاج حتى تتواصل عجلة الحياة بشكلها الطبيعى، وحتى لا يفقد الناس قدرتهم على الإنفاق على أسرهم فى ظل نزيف الخسائر الذى تتعرض له الكثير من المصانع والشركات حول العالم.
تقارير دولية متعددة رصدت خلال الفترة الماضية الضغط الهائل الذى تعرض له الاقتصاد العالمى على وقع مواجهة الفيروس، والذى تسبب فى فقدان الكثيرين لوظائفهم إلى الحد الذى دفع 3.3 مليون أمريكى للتقدم بطلب للحصول على إعانة بطالة خلال أسبوع واحد فقط، فى وقت تسود فيه توقعات بخسارة 25 مليون وظيفة داخل أمريكا وحدها بسبب الأزمة، وهو ما يفوق كثيرا ما حدث خلال الانهيار المالى العالمى، وفى أوروبا وصلت معدلات تسريح العمال إلى الذروة .
وفى مصر تأثرت أوضاع العمالة غير المنتظمة، وهو ما دفع الحكومة إلى سرعة التدخل وصرف إعانة مالية لها، وهذا كله يجدد التساؤل حول ضرورة أن نبحث نحن والعالم أجمع عن طريق ثالث بعيدا عن إغلاق الاقتصاد أو التراخى فى مواجهة المرض، لتتواصل عجلة الإنتاج مع جهود حصار بؤر العدوى وعلاج المصابين.
وضع الفيروس تحت السيطرة وحصاره والحد من انتشاره يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع إعطاء المشروعات الإنتاجية حول العالم قبلة الحياة، ويمكن أن يتم هذا بمزيد من الوعى، والتزام حديدى بالإجراءات الوقائية وفى المقدمة منها التباعد الاجتماعى، وارتداء الكمامات، كما يمكن إعادة التفكير فى توزيع مواعيد الدوام فى المصالح والجهات المختلفة لتفادى وجود أى زحامات أو تكدسات فى الشوارع أو وسائل النقل الجماعى، وذلك بعد دراسة عدد العاملين بكل جهة، لنضمن قدرا أكبر من الحماية، كما أنه يمكن دراسة السماح بالتوسع فى العمل ليلا للجهات الإنتاجية التى لا تتعامل مع الجمهور .
أظن أن الدولة قدمت نموذجا يمكن أن يحتذى خاصة فى المشروعات القومية بالعاصمة الإدارية، حيث يواصل العمال العمل وسط إجراءات وقائية بالغة الصرامة تبدأ بالكشف عليهم قبل دخول المواقع صباحا، كما أن الشركات تلتزم بتوفير المطهرات، علاوة على ارتداء الكمامات يتم الالتزام الكامل بالتباعد الاجتماعى.
جميع الشركات والمؤسسات التى أخفقت فى الإنتاج عبر تشغيل طواقمها أون لاين مدعوة لنقاش واسع حول حلول للخروج من أزمتها مع الالتزام الكامل بكافة الإجراءات الوقائية للحفاظ على السلامة، وأظن أن باب الاجتهاد والابتكار يجب أن يفتح على مصراعيه فى هذا الصدد .
وقانا الله وأياكم كل شر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة