" كبرت كلمة.. وهل البيعة إلا كلمة... ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة.. أتعرف ما معنى الكلمة ؟. مفتاح الجنة في كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو الكلمة.. الكلمة لو تعرف حرمة.. زاد مذخور.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري.. الكلمة فرقان بين نبي وبغي.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.. عيسى ما كان سوى كلمة.. أَضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم.. الكلمة زلزلت الظالم.. الكلمة حصن الحرية.. إن الكلمة مسئولية.. إن الرجل هو الكلمة.. شرف الرجل هو الكلمة.. ". كلمات خالدة سطرها العبقري عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحية " الحسين ثائراً " ليجسد كلمات سيدنا الحسين حفيد رسول الله (ﷺ) في حواره مع الوليد حاكم المدينة المنورة، عندما طالبه الأخير بمبايعة يزيد بن عبدالملك بن مروان على غير إرادته، حيث طالبه بأن ينطق بكلمة "المبايعة" حتى وإن لم يكن مؤمناً مقتنعاً بها. فرفض الحسين معتبراً أن شرف الكلمة يحتم عليه ألا يقول إلا صدقاً، وألا ينطق إلا حقاً. هكذا كانوا يؤمنون بقيمة الكلمة وشرفها، يدركون أن قيمة الإنسان في احترامه لكلامه وصدق حديثه.
أما الأن فنحن نعيش حاضراً غالبه ملوث، لم تعد فيه قيمة الكلمة كما كانت. طغت فيه مساوئ الأخلاق وتوارى فيه شرف الكلمة فغابت مكارم الأخلاق حتى طفح شواذ المجتمع على السطح فظن العامة أنهم القاعدة الأصلية وما دونها استثناء. تلوث الذوق العام، وظهرت مصطلحات غريبة وسلوكيات مشينة، تجرفت أجيال حتى أصبح الحديث عن عودة القيم أمر بالغ الصعوبة صعب المنال.
ولكن.. هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟. إن صلاح المجتمع في إصلاح سلوكيات مكوناته، ونجاحه وتقدمه في حسن أخلاق أبنائه. ولنا العبرة في حضارات وأمم اندثرت رغم تقدمها لانعدام قيمها وسوء أخلاقها. ولا مجال هنا للحديث عن المدينة الفاضلة، لكن على الأقل لا يجب السماح بأن يصبح فحش الكلام وسوء الخلق هما الصفات السائدة بل اجعلوها شواذ القاعدة. يجب أن نربي أنفسنا وأبناءنا على مكارم الأخلاق، أن تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات، أن تنشر قواعد مراعاة الاّداب والسلوكيات في الأماكن العامة. اجعلوا مكارم الأخلاق سمة الحياة.
إن الشعب المصري صاحب حضارة ذات قيم وتاريخ عريق. يظهر معدنه الأصيل عند الشدائد، تتحطم المستحيلات على صخرة صموده وكبرياءه. أوقن أنه شعب ذو فطرة سليمة، وأن سنوات التجريف لم تنل من نبل أخلاقه وسلامة سريرته. يتبقى أن تسعى الدولة لسن تشريعات وتتخذ خطوات حقيقية لاستعادة بريقه، ونفض غبرة السنوات العجاف عن عاتقه، فيستعيد مكانته اللائقة بين الأمم والحضارات.
عمرو درويش
عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة