نقرأ معا كتاب "الإرهاب: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف تشارلز تاونزند، ترجمة محمد سعد طنطاوى مراجعة هبة نجيب مغربى، والصادر عن مؤسسة هنداوى، حيث يرى الكثيرون أن الهجمات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر2001 قد غيرت وجه العالم، ودفعت قضية الإرهاب لتحتل قمة العديد من الأجندات السياسية، وأدت إلى سلسلة من الأحداث العالمية منها الحرب على العراق وغزو أفغانستان.
ويرسم الكتاب مسارًا واضحًا عبر الجهود الحثيثة لفهم الإرهاب فى العصر الحديث، حيث يقدم تاونزند العديد من الأمثلة التاريخية على الإرهاب والتى أحسن اختيارها جميعًا، فيناقش أصول الإرهاب فى التاريخ: أول الجماعات الإرهابية، والميراث الفلسفى لمبدأ "الدعاية بالفعل" وعمليات الاغتيال بوصفها إرهابًا، والإرهاب إبان الثورة الفرنسية.
كما يستكشف المؤلف أنواعًا مختلفة من الإرهاب: الإرهاب الثورى، والإرهاب القومي، والإرهاب الديني، وينهى كتابه بمناقشة استراتيجية مكافحة الإرهاب، ويوضح بدقة المخاطر المتأصلة فى هذا النهج.
فى مرحلة ما من مناقشة الإرهاب، نلتقى بالشخصية الغامضة "الإرهابى الطيب" وهو العنوان الساخر فى محاولة دوريس لسينج فى رواية لها بالاسم نفسه صدرت فى عام 1984 لسبر أغوار حياة أحد "التنظيمات السياسية الصغيرة»، التى تفشت فى أوروبا فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
والإرهابيون الطيبون هم أولئك الإرهابيون الذين يُبرر أفعالهم قمع النظام الذى يعارضونه، وثمة نبرة إعجاب — حتى وإن كان على مضض — تميز الروايات المتحفظة عن روَّاد الإرهاب فى العصر الحديث؛ ألا وهم الشعبويون الروس فى القرن التاسع عشر: ويتمثل هذا فى إدراك أن هؤلاء الإرهابيين — على عكس الإرهابيين اليمينيين — "كانوا يؤمنون حقًّا بمجتمع حر لا يسوده العنف" كان ذلك هو أساس معتقداتهم، وهو ما يمكن أن ينسحب منطقيًّا على جميع الإرهابيين تقريبًا؛ بأن أى تغيير سيكون إلى الأفضل.
نادرًا ما يُنظَر إلى الإرهابيين فى العصر الحديث وفق هذه الرؤية، فعلى غرار كثير من التحيزات الدائمة، تغلبت فكرة قولبة الإرهابى باعتباره وحشًا سيكوباتيًّا على كثير من الجهود الأكاديمية لتعديل هذه الصورة أو محوها. تشير معظم الدراسات الأكاديمية إلى الرؤية القائلة إن الإرهابيين يتميزون بصورة عامة بطبيعتهم العادية تمامًا، أما الصفات المفترض توفرها فى الإرهابى لتنفيذ أعمال إرهابية — مثل غياب الشعور بالشفقة على أحسن تقدير أو رغبة خبيثة فى إلحاق الأذى على أسوأ تقدير — إما لا حاجة إليها، أو إذا كانت هناك حاجة إليها فهى شائعة للأسف بين كثيرين. كان هناك جدل قائم بأن عددًا كبيرًا من الإرهابيين مر بفترة طفولة عصيبة — مثل شخصية أليس فى رواية دوريس لسينج — لكن لا يمكن ترتيب هذه الرؤية منهجيًّا (حتى الآن على الأقل). فقد أُهدر الجانب الأكبر من الجهود الضخمة التى تكرست للكتابة عن "شخصية الإرهابي".
إذن، من يصبح إرهابيًّا؟ على الأرجح ستكون الإجابة هى أن ذلك يعتمد على الظروف المحيطة، تختلف المنظمات الإرهابية بصورة كبيرة فى طريقة تجنيد أعضائها، فبينما تتطلب بعض المنظمات (خاصة الثورى منها) تجنيد المتعصبين، والمؤدلجين، والحالمين، فإن بعض المنظمات الأخرى (خاصة المنظمات القومية) تُعتبر جزءًا أصيلًا من مجتمعاتها، بحيث تصبح عملية الانضمام إليها أحد طقوس العبور.
يتمثل العمل الأمثل للإرهابى الطيب فى الاغتيال، إذ كانت تُمجد عملية اغتيال الطغاة، نظرًا لأنها تؤدى إلى التخلص من الطاغية فى الحال وبأقصى درجات الدقة، فى الدول الحديثة المعقدة، ربما ينتقى القاتل هدفًا رمزيًّا أو وظيفيًّا، مثل الملك أو رئيس جهاز الشرطة، استهدفت المنظمة الثورية الروسية "نارودنايا فوليا" (إرادة الشعب) كليهما، وأشهر عملياتها اغتيال القيصر ألكسندر الثاني، ومن ثم أطلقت عقال تقليد بدا فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر يهدد (فى أعين البرجوازيين) العالم المتمدِّن بأسره. وقد أثار استعداد هؤلاء القتلة للمخاطرة بحياتهم — بل المخاطرة فى كثير من الحالات بالقبض عليهم وإعدامهم — مزيجًا من الانبهار والإعجاب والرعب. (مثلما أثار ظهور "الانتحاريين" بعد قرن من الزمان.) وفى حين أنه من المفيد التذكير بأن الإرهاب يُتبنى لأنه "فعَّال"، لا يقتصر الأمر على ذلك البتة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة