حجم الفيديوهات والرسائل الصوتية والمنشورات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعى، وتطبيق الواتساب، للتحذير من فيروس كورونا، والوقاية والعلاج، ومخاطره، مخيف، وكارثى، وتنتشر انتشار النار فى الهشيم، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن معظم هذه الوسائل مجهولة المصدر، ومنسوبة لشخصيات باعتبارهم أطباء وعلماء، ولا نعرف حقيقتهم، وهل هم أطباء وعلماء حقيقيون أم مزيفون، ورغم ذلك فإن البعض ودون تحقق، يتعاطون مع الفيديو أو الرسالة الصوتية أو المنشور أو التغريدة، باعتبارها حقيقة، يجب تصديقها والأخذ بها.
الحقيقة، أنه فى زمن الأزمات، وانتشار الأوبئة، تطفو على سطح الأحداث، زمرة من المشعوذين والدجالين وضاربى الودع وقارئى المندل والكف والفنجان، والمتنطعين، لتدشين سلسلة من الفتاوى الخزعبلية، لمواجهة الفيروسات الفتاكة، والأمراض الوبائية اللعينة، وظهرت عينة من هذه الفتاوى، منها، أن هناك "شعرة" فى المصحف، من يعثر عليها، ويضعها فى الماء ويشربها، ستحصنه من فيروس كورونا.. ومن يخرج فى شرفة منزله، ليدعو الله، سيقضى على الفيروس.
العلماء فى كل دول العالم، يحذرون من التجمعات، وخطورته فى نشر الفيروس، بينما المتنطعون من الدجالين والمشعوذين، والخونة المتآمرين، يدعون لمسيرات مقاومة كورونا، هل رأيت، تخلفا وتنطعا وانحطاطا وسفالة، وتآمرا، مثل ذلك..؟!
ابن خلدون، يصف الوضع فى الملمات والأزمات والانهيارات وانتشار الأوبئة، وصفًا دقيقًا ومعبرًا، فى مقدمته الشهيرة التى كتبها سنة 1377 ميلادية، وهى مقدمة كتابه المهم والأروع "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر".. ثم تحولت هذه المقدمة فيما بعد إلى "مرجع" منفصل ومهم.
ابن خلدون يصف الوضع فى الأزمات والانهيارات، فى مقدمته قائلا: "يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون والقوالون والمغنون النشاز والشعراء النّظامون والمتصعلكون وضاربو المنّدل وقارعو الطبول والمتفقهون وقارئو الكف والطالع والنازل والمتسيّسون والمدّاحون والهجاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون".
مضيفا: "يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الإشاعة ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق، ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفى وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه، ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقًا وإلى الأوطان ضربًا من ضروب الهذيان، ويضيع صوت الحكماء فى ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين، ويتقاذف أهل البيت الواحد التّهم بالعمّالة والخيانة وتسرى الإشاعات عن هروب كبير وتحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصى والدانى وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.
ما قاله ابن خلدون، حدث لنا فى مصر عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ويتبلور الآن بعد ظهور فيروس كورونا، فقد خرج المشعوذون والمنجمون والمتنطعون من أدعياء الدين والحكمة، والمتآمرون الخونة، بآراء وفتاوى لا تمت للعلم، ولا لصحيح الدين بأية صلة.
لذلك، نطالب الجميع، ألا ينساقوا وراء الفيديوهات والرسائل الصوتية والمنشورات والتغريدات، وأن يستقوا معلوماتهم من المصادر الرسمية المعروفة والمعلومة بالضرورة، حتى نعبر بسلامة هذه الأزمة الخطيرة التى تواجه العالم بأثره وليس مصر فقط..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة