كنت وكثيرون نكتب ناقدين حكومتنا في كل وقت لأنها -من وجهة نظرى وغيرى- تتحرك متأخراً أو لا تتحرك أصلاً في الأزمات التي تواجه مصر، سواء أزمات وكوارث طبيعية أو غيرها من الأزمات التي تواحه المصريين على مدار سنوات، والأمثلة كثيرة ولا داعٍ لذكرها.
بعد ثورة 30 يونيو انتهجت الدولة المصرية سياسة مختلفة تماماً عن الحكومات المصرية السابقة جميعها، حيث اتجهت الحكومة إلى تنظيف الجرح من الصديد المتراكم عبر عقود طويلة وتطهيره، ثم بدأت في إعطاء العلاج الفعّال حتى لو لزم الأمر لبتر القديم والبدء من جديد، كما حدث في التعامل مع العشوائيات.
لابد أن نعطي لكل ذي حق حقه، فالسبب وراء تغيير السياسات والمناهج المتبعة في حل الأزمات (كل الأزمات) هو القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي انتهج سياسة الحل الدائم وابتعد عن سياسات المسكنات التي كانت سائدة في بيروقراطية العمل في الحكومات المصرية المتعاقبة.
وخلال الأسابيع الماضية مرت مصر بعدة اختبارات قاسية على أى إدارة، بداية من الطقس السيئ مروراً بمعالجة المشكلات اليومية وصولاً لأزمة فيروس "كرونا المستجد"، فأصعب أنواع الحروب هو أن تحارب عدواً خفياً غامضاً متغيراً، وهذا هو الحال في الحرب ضد انتشار الفيروس، فيصعب معه اتخاذ قرار محدد وصائب قادر على القضاء عليه بشكل نهائي وسريع.
وحتى كتابة هذه السطور تمكن الفيروس من إصابة أكثر من مئتى ألف شخص حول العالم، مخلفاً وفيات تقارب 4% من إجمالى المصابين خلال 4 أشهر تقريباً، مما تسبب فى إرباك أعتى اقتصادات العالم مثل الصين وإيطاليا والمانيا وإسبانيا.
نقطة البداية الحقيقية لمصر، في تعاملها مباشرة مع فيروس كورونا المستجد، عند توجيه الرئيس السيسي بعودة المصريين العالقين في مدينة ووهان الصينية والتى أعقبها تجهيز مستشفى كامل لاستقبال العائدين وتوفير سبل الإعاشة خلال فترة حضانة المرض، ثم وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخصيص 100 مليار جنيه لتمويل الخطة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا، وتم إتاحة مبلغ 187.6 مليون جنيه فوراً بصفة مبدئية لوزارة الصحة، لشراء مواد خام ومستلزمات لمواجهة انتشار الفيروس، وصرف مكافآت تشجيعية للعاملين بالحجر الصحي ومستشفيات العزل، فضلاً عن تعليق الدراسة في المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، ابتداءً من الأحد 15 مارس، وهو الأمر الذى من شأنه حماية ما يقرب من 25% من قوام السكان.
لم تتوقف الحكومة ورئيسها الدكتور مصطفى مدبولي، من مناشدة المواطنين بتحمل مسئولياتهم وعدم الاستهتار أو الاستخفاف بالأمر، وتقليل التجمعات البشرية، وهو ما استتبعه إصدار قرار بتعليق حركة الطيران الخارجى بدءاً من الخميس 19 مارس لتقليل عدد الإصابات الناتجة عن الاختلاط بأجانب قادمين من دول مصابة بالفيروس، مع اتخاذ كل الاجراءات لتيسير سفر المواطنين والأجانب من وإلى الأراضى المصرية، قبل إنفاذ القرار.
كانت الحكومة المصرية حددت سابقًا، ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع أزمة كورونا، وتعتمد على أعداد الإصابات وسرعة انتشار المرض، ولكن بعد تخطي عدد المصابين المئة، انتقلنا إلى السيناريو الثاني بقرار إغلاق المدارس والمنافذ الجوية، ومنع السفر إلى مصر والذي بدأ من الخميس 19 مارس، وكان هذا المقترح حال وصول العدد إلى 150 أو 200 إصابة.
وزير الإعلام أسامة هيكل كان محدداً في كلامه عن الأزمة عندما قال إن الإجراءات ستكون تدريجية وفي حالة تزايد الأعداد ستكون القرارات صارمة وستتخذ تباعاً، وتحدث عن بعض التجار الذين يستغلون الأزمة لرفع الأسعار وأكد أنه سيتم اتخاذ إجراءات رادعة ضدهم في القريب العاجل.
طمأننا وزير الإعلام حين أشار إلى أن البلاد لديها مخزون استراتيجي يكفي لأكثر من ٣ أشهر، وأنه لا داعي للقلق، وأن توجيهات رئيس الجمهورية بأن ملف فيروس كورونا له الأولوية في جميع الملفات، بالرغم من الخسائر الكبيرة في القطاعات المختلفة وعلى رأسها السياحة، إلا أن الأولوية الآن لدى الحكومة المصرية هي صحة المواطن، وأن الحكومة تتوجه لإنشاء مستشفيات في أغلب المحافظات من أجل التعامل مع الفيروس وستدخل العمل تدريجياً ووفقاً لأي مستجدات.
كما تم إصدار قرار بتخفيض عدد العاملين في أجهزة الدولة والمصالح الحكومية وصولاً لقرار تعليق الصلاة بدور العبادة حتى يضمن التقليل من الاختلاط بين المواطنين، وتوالت القرارات الوزارية التنفيذية لقراري الرئيس السيسي، ورئيس مجلس الوزراء، والتي أكدت تضافر وتناغم جهود جميع أجهزة الدولة لحماية المواطنين من أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد، وصولاً لـ" السند" الأصيل في كل الأزمات قواتنا المسلحة التي تعمل دائماً على حماية أبناء الشعب المصري، إذ أخذوا على عاتقها تعقيم وتطهير جميع المؤسسات الحكومية من خلال سلاح الحرب الكيميائية.
وللأسف في الوقت الذي تؤكد كل قرارات الدولة حرصها الشديد على الحفاظ على صحة المواطنين بما يتوازن مع مستوى الحدث، ظهرت في المقابل بعض السلوكيات السلبية من المواطنين تتمثل في عدم الالتزام بمناشدات تقليل التجمعات البشرية، فضلاً عن تكالب عدد من المواطنين على شراء وتخزين كميات كبيرة من السلع الاستراتيجية وأدوات التعقيم والتطهير. وبالطبع تزامن ذلك مع قيام بعض الباعة بإخفاء بعض السلع عن المواطنين بهدف التلاعب في أسعارها وهو ما جابهته ومازالت تجابهه الرقابة الإدارية.
لقد حددت الحكومة المصرية يوم 31 مارس ليكون يومًا فارقًا في تاريخ مرض كورونا بمصر، وبعد هذا التاريخ الذي حددته الدولة إما يكون عدد المصابين في تناقص أو لم يحدث تسجيل إصابات أخرى، ونكون بذلك قد نجحنا، أو تزايد العدد وصار في تصاعد، وفي هذه الحالة يستوجب إجراءات قاسية جداً لأنها مرحلة فاصلة بالنسبة لمصر وسيكون الفرق مثل الفرق بين السماء والأرض مع فيروس كورونا.
وفي النهاية أرجو من المواطنين أن يقوموا بما عليهم من واجبات تجاه أنفسهم وغيرهم حتى لا يدفعوا الدولة لإتخاذ إجراءات شديدة تجبرهم على عمل واجباتهم التي لم يقوموا بها باختيارهم لحمايتهم وحماية عامة الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة