رضا.. كان أحلى واحد يعمل مساج للرأس بعد ما يغسل شعر الزبونة فى صالون صغير فى الزمالك.. وحين جاء ميعاد التجنيد طلبت منه المدام صاحبة الصالون أن يعلم أحد الصبية صنعة غسيل الشعر وتحديدا تدليك الرأس، لأنها كانت من أكثر الأشياء التى تطلبها زائرات الصالون ( و ما أدراك عزيزى الرجل بقدسية تدليك الرأس بعد غسله فى وسط زحام الزوج و الأولاد و المدارس و العمل و متطلبات المنزل، انه نعمة ننزل خصيصا لأجلها.. نوع من الممارسات السرية التى لا يعرف عنها شيء عالم الرجال). لكن رضا لم يبذل مجهوداً يذكر فى تعليم أحد، فهو أراد أن يتأكد انه لا أحد يستبدل مكانه حتى يعود من الجيش.
و قد كان، تأففت زائرات الصالون و حاولت صاحبته ان تجد آخرين من أجل غسل شعورهن ( و هذا الظاهر) ولكنها فشلت. حتى عاد رضا بعد عام، ووجد وظيفته فى انتظاره.
كاظم، إنه ذلك المثال لمصداقية التعامل فى العمل، وعدم رمى المسئوليات على الآخرين.. كان شخصاً، خدوماً معطاء، لا يبخل على أحد بمعلومة.. إلى أن استغله مديره المباشر كل الاستغلال المتعارف عليه، وكان يشير اليه بأصابع الاتهام عند الأخطاء وأخذ كل المدح منه عند الإنجازات. استيقظ كاظم على صدمة الاستغناء عنه فى العمل.
لم يغفر له كل تفانيه وعطاءه لعمله.... فالأهم: الصورة التى كان يرسمها مديره المباشر عنه لمن يعلوه... فمهنة البعض التشويه والاستغلال.
هؤلاء الطيبون المعطاؤون المتفانون... تنهك عقولهم وأرواحهم من دوامة التلاعب و الغش... وتكسر قلوبهم على صخور القسوة والاستغلال.... إنهم ذات البشر الذين ينصحون الجميع المع النصائح وهم لا يعرفون أن ينصحوا أنفسهم، لا يعلموا كيف يتغيروا ليصبحوا بشرا يتناسبون مع واقعنا البشع.
- إنهم ذلك الصديق الذى نجده عند الضيق فعلا، ظهراً و سنداً... دون مصالح.
- إنهم ذلك الزميل الذى يمتاز بالبساطة و التعاون و لا يضيع وقتاً فى ضغائن و لا مؤامرات.
- إنهم ذلك الابن الذى يراعى ظروف الحياة الصعبة فلا يحمل والديه أعباء فوق أعبائهم.
- إنهم ذلك الشريك الذى يتقاسم معنا الحياة بحلوها ومرها ولا يغادرنا فى الأزمات.
- إنهم عابر السبيل الذى يمر على حياتنا و تاركا علامة مضيئة لا يشعر بنورها الا نحن.
- إنهم الحبيب الذى يعطى و لا ينتظر ان يأخذ.
-
إنهم من أشار إليهم الشاعر هشام الجخ حين قال:
اللى زيك....
غششوا الناس الإجابة....
وسقطوا هما فى الامتحان.
إذ للأسف أصبح العطاء و التفانى و تحمل المسئولية عيباً يفتح الباب لأنواع بشعة من البشر.
فالطيبون الذين فى الأعلى على الأغلب لا يقع حظهم العاثر الا فى البشر اشباه التاليين:
- فهناك الصديق الذى يبث كل همومه و طاقته السلبية لنا وفينا متى ما اراد ( و ده كتير) وحين نحتاج نحن الحديث لا نجد أذناً صاغية.
- وهناك الحبيب الذى يستغلنا ماديا و نفسيا و عاطفيا، و حين يمل و يجد شخصا آخر ...يرحل دون النظر إلى الوراء.
- وكذلك زملاء العمل الذين يستغلون أننا نحب مساعدة الآخرين .. فيرمون أعباء عملهم علينا مغلفين بكلمة شكر لزجة... و حين نحتاجهم يتحججون بالأعمال الكثيرة.
- أما شريك الحياة الذى يحملنا كل أعبائها بحجة اننا نتحمل و لنا القدرة، فيصبح اكثر اتكالية، و تصبح ظهورنا محنية بالمسئوليات... و حين نقع لا نجدهم بجانبنا.
- و هناك الأهل الذين يرمون كل أحمالهم على ابن واحد من أبنائهم، لمجرد أنه أثبت قدرته فى تحمل المسئولية، تاركين للآخرين مساحة فى حياتهم ليعيشوها دون النظر إلى حياته.
- وأيضاً من يعيش مع شريكه مستنزفا اياه على كل الأصعدة وهو خائن بكل ما للكلمة من معنى.
هذه القلوب الرائعة حين تهزم أمام جبروت وعنجهية البشر، تقفل قلوبها أمام الحب (عامة) وتنعزل .. تفقد الثقة فى الانسانية.. تفضل الابتعاد على تقبل الهزيمة مرة اخرى، فهذه الهزيمة.. تزلزل ارواحهم، و تغير موازين العدل بداخلهم.. هذه الهزيمة تفقدنا أناس لن نعرف روعتهم الا عند رحيلهم..
أعرف أناس هاموا على وجوهم بحثاً عن قلوبٍ كانت رائعة معهم وخسروها بجبروتهم ولا مبالاتهم .. و مازالوا يبحثون و قد شاب شعرهم.
أعزائى الكاظميون:
قاوموا التيار، حافظوا على كاظم الذى بداخلكم... لا تقبلوا الهزيمة ... عودوا للحياة من جديد... افتحوا أذرعكم للحياة كل مرة... كل شيء تمر به حياتكم هو درس... و لتأخذوا الإيجابى من الدروس وتلقوا وراء ظهوركم كل ما هو مؤلم .. فيا أعزائى وعد الله بالجنة كان لقلوب الطيبين .. وقد يغفر الله كل الذنوب فى حقه تعالى، ولكنه لا يغفر ذنب عبد فى حق عبد.
أما انتم ( مش هاقول الرضائيون) علشان رضا كان غلبان مقارنة بكم:
ابوكوا عل ابو اللى يعرفكوا.... يللا يكش تولعوا.
شكراً
آخر الكلام:
"علمتنى الدنيا، أن طعنة الظهر لا تعنى بالضرورة أنك فى المقدمة، بقدر ما تعنى أن اختيارك لحصن ظهرك.... كان خاطئاً."
شهرزاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة