الإعلام في زمن "كورونا"
بعد أن بات العالم قرية صغيرة سيطّر الهلّع والفزع على الجميع.. ضرب الروح المعنوية والحرب النفسية من خلال نشر أخبار الفيروس القاتل أشرس من الحروب والمعارك على أرض الواقع.. "كورونا" يُدير العالم بأسرة ويُوجهه أينما شاء، فهل هو بفعل فاعل أم مصادفة ناجمة عن قضاء الله وقدره ؟!!
فيروس قاتل ظهر فجأة ضاربًا الجميع دون تفرقة بين عرقّ أو لون أو ديانة بين مُصاب وضحية وافتها المنية إما لأسباب ضعف الجهاز المناعي أو الإصابة بأمراض مُزمنة لا يُمكن لصاحبها احتماله معها، سُمي بـ"كورونا" أو "كوفيد 19"، وبات الأمر الأشهر حول العالم متصدرًا الصفحات الأولى من الصحف الورقية والمانشيتات الرئيسية للمواقع الإليكترونية، وأحاديث السوشيال ميديا بكل أنواعها.
كل ما نعرفه عن كورونا أو الفيروس القاتل كما يُدعى جاءنا من أخبار مُتداولة ليس فقط من جهات رسمية ومنظمات أو مؤسسات عالمية ولكن أيضًا عبر السوشيال ميديا التي أصبحت الناقل الأول والأسرع لكل أخبار هذا الفيروس في صورته المُستجدة، ولذلك أصبح المُتلقي متخبطًا هائمًا بين تلك الأخبار والمعلومات التي تُطيح به كالريح هنا وهناك مُتحكمة في حالته النفسية بشكل رئيسي، وهو أمر طبيعي في ظل أن الكورونا هي كل ما يهم الأفراد حول العالم وأن نسبة مسُتخدمي السوشيال ميديا هي الأكبر حيث أن متابعيها من فئة الشباب -الأكثرية- في وقتنا الحالي؛ وبعد أن بدأ من أراضي "التنين الصيني" الذي لا يُقهر في أعين المجتمعات العربية بشكل خاص، مُتسببًا في عدد كبير من الإصابات والوفيات بها. والآن انتقل إلى دول الاتحاد الأوروبي مُهددًا مواطنيه بشكل كبير ما ألزم بعض الدول الأوروبية بفرض حظر التجوال وعدم الاختلاط الإجباري بين شعوبها.
شواهد كثيرة تجعل الأشخاص ذات العقل التحليلي في ربطها أو التوقف عندها وتآملها من المؤكد أنها تعصف به في كثير من الاتجاهات ليست بعيدة عن نظرية المؤامرة ومحاولة بعض الأطراف الفاعلة في العالم إلى السيطرة على الجميع أو بمعنى أبسط التحكُم بهم كـ"عرائس الماريونيت" لتحقيق مكاسب اقتصادية في المقام الأول إضافة إلى المكاسب السياسية. وهناك البعض ممن اتهم الصين ذاتها بأنها تقف خلف هذا الفيروس وآخرون ينظرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل تصريحات رئيسها دونالد ترامب وتغريداته عبر موقعه الرسمي على موقع التدوينات القصيرة تويتر والتي تحمل غالبيتها مضمون أن النصر في معركة كورونا سيكون لأمريكا، وأيضًا الإعلان عن الاقتراب التوصل إلى لقاح مُعالج لهذا الفيروس، والإعلان عن إصبات مسؤولين بها ووضعهم في الحجر الصحي ثم ظهورهم في مؤتمر صحفي!! ولا تبعُد روسيا عن الأمر خاصة أنها الأقل تضررًا حتى الآن والوضع بها تحت السيطرة إلى حد كبير، كما أنها هادئة وإعلامها ليس صاخبًا بأخبار "كورونا" كغيرها ولكن يقتصر فقط على متابعة ما يدورحول الفيروس في العالم.
العالم الذي أصبح قرية صغيرة مُحتفلًا بالعولمة ونجاحها في ربط الجميع وثقافاتهم وأخبارهم عبر الإنترنت والذي توالدت عنه فيما بعد روافد كثيرة أبرزها السوشيال ميديا والتي تسببت في ثورات الربيع العربي وإنهيار الكثير من القيم في مجتمعاتنا العربية، كما أنها الفاعل الرئيسي في الترويج للشائعات والأكاذيب التي من شأنها هدّم دول وأنظمة سياسية، فيما أنها فشلت مرارًا وتكرارًا خاصة في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ عام 2010؛ تسيطر الآن مُجددًا على المشهد عبر كورونا ونشر أخباره ومعلومات مُتخبطة ونشرّ حالة من الهلّع والفزع ومخاوف بشرية مشروعة حول احتمالية الإصابة به وتأثر حياتك اليومية أو فقدان من تحبهم بسبب هذا الفيروس.
لقد أصبح كورونا شبحًا يُهدد الجميع ليس لحقيقة أمره التي يُفصح عنها الكثير من الأطباء حول العالم وكما تثبتها الأرقام والاحصائيات لعدد المصابين والوفيات والتي لا تصل إلى نظيرتها من التي تسببت بها أمراض أو فيروسات أخرى على مرّ الزمن، ولكن لما يُنشر حوله من أخبار ومعلومات و"افتاءات" تتطلبها طبيعة السوشيال ميديا في مجتمعاتنا العربية التي اعتادت على الحديث والتداول وكأن الجميع خبراء وأطباء ومتخصصين في علم "الميكروبيولوجي"، هذا الأمر الذي يختلف كُليًا عن تعامل السوشيال ميديا في البلدان الأخرى والتي يحرص مستخدميها على نشر الوعي والإراشادات اللازمة لحصار الفيروس وتشجيع بعضهم البعض على التكاتف والتصدي لهذه المرحلة والفترة العصيبة على الجميع إلى جانب مشاركة تجاربهم مع الشعوب الأخرى حتى تتلافى الأخطاء التي وقعوا بها، كما حدث في إيطاليا التي استهتر شعبها بالأمر ما تسبب في انتشاره على نطاق واسع.
والمتابع للإعلام حول العالم وخاصة الأمريكي والعربي بطبيعة الحال يجد أن أخبار كورونا تُسيطر على جميع المنصات الإعلامية بكل أنواعها ومجالاتها فباتت كورونا تُسيطر على الفن والرياضة والمنوعات والاقتصاد والسياسة حتى اختفت مضامين الأخبار المختلفة والمتنوعة بشكل كامل، وأصبحت الأخبار المتداولة بمثابة حرب نفسية تخللت جميع الشعوب مُسيطرة عليهم وتُوجههم أينما شاءت؛ فمن يُديرها.. ولصالح من.. ؟!! ولذلك يجب علينا التصدي لذلك الأمر ووضع حدّ له كما وضعنا حدًا بنجاح لآلة الشائعات وبثّ الأكاذيب المُغرضة؛ لحماية المجتمع المصري وتوجيهه في الطريق الذي فيه صالح البلاد والعباد بدلًا من تشتيته أو بثّ الاحباط في نفسه، ما يدفعه إلى مزيد من الاستهتار يؤدي حتمًا إلى مزيد من الخسائر. وأخيرًا وأيًا كان الأمر أو من يقف وراءه "فالله لا ينزل عليك بلاء إلا لخير"، وكل مُرّ سيمُر ولكن بمزيد من التكاتف والوعي والالتزام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة