- 163 مليار جنيه استثمارات فى المصانع المُتكاملة تئن أمام 7 مليارات فى أنشطة الدرفلة تقتسم السوق وتستفيد فوارق ضخمة فى تكلفة الغاز والكهرباء
- الرسوم الحمائية على البليت تفقد 3% خلال أبريل المقبل بما يزيد مزايا المستوردين ومصانع الدرفلة بأكثر من 12 دولارا إضافية للطن
- شركات البليت والمستوردون يستفيدون فارق 520 جنيها للطن بسبب أسعار الغاز المرتفعة على المصانع المُتكاملة وشبه المُتكاملة
- الشركات التركية تستفيد من ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل وتتخلص من فوائضها بصورة تهدد السوق المصرية ومصانعها الوطنية
نحو 4 ملايين طن تستهلك من المصانع المتكاملة وشبه المتكاملة خلال إنتاجها ما يوازى 52 تريليون وحدة حرارية من الغاز، قيمتها 286 مليون دولار تقريبا (قرابة 4.5 مليار جنيه وفق متوسط سعر الصرف الحالى) وفى المقابل فإن حصة مقاربة من الإنتاج تصل إلى الأسواق النهائية دون تكبّد تلك الأعباء، بكُلفة إجمالية تقل نحو 1200 جنيه للطن فى المتوسط، بحسب خبراء ومستوردين.
المُعادلة السابقة تخص سوق الصلب وحديد التسليح، التى تتوزّع على ثلاث فئات من المصانع: المتكاملة التى تعمل عبر 4 مراحل تقريبا، وشبه المتكاملة ذات المراحل الثلاث، ومصانع الدرفلة التى تُنجز مرحلة إنتاجية واحدة بُكلفة نسبية زهيدة، لكنها تحوز فرصا تنافسية أكثر من الفئتين الأُوليين، ليس لأنها تقدم قيمة مضافة أكبر، أو تعمل بأحجام استثمارية أضخم، أو توظف عمالة أكثر كثافة من المنافسين، ولكن لأن السوق تعانى خللا كبيرا فى معادلات الأعباء وتسعير مدخلات الإنتاج، وفى نظرة الجهات الرسمية والحكومية لطبيعة السوق والمصالح الوطنية المرتبطة بها!
أزمة الغاز تهدد سوق الحديد
حتى 5 أشهر مضت، كانت مصانع الحديد تحصل على الغاز الطبيعى بسعر 7 دولارات للمليون وحدة حرارية، لكن اللجنة الوزارية المسؤولة عن مراجعة تسعير الطاقة للأنشطة الصناعية قررت خلال أكتوبر الماضى تقليص السعر إلى 5.5 دولار. رأت الحكومة وقتها أن هامش التحريك المقرر يُمثّل انفراجة كبيرة بما يكفى لتجفيف أزمات القطاع، لكن فى واقع الأمر فإن آثاره لم تتعدّ مرحلة تقليص الضغوط، وحتى الآن ما تزال آلية الضغط الحاد قائمة!
خريطة سوق الحديد ربما تكشف قدرا أكبر من الأزمة. فى الوقت الراهن يُسجل الإنتاج الإجمالى نحو 7 ملايين طن، منها 4 ملايين تقريبا للمصانع المُتكاملة وشبه المتكاملة، التى تقع أعباء الغاز الحالية على كاهلها وحدها، أو بالدرجة الأكبر، إذ تبتلع المراحل الإنتاجية الثلاث الأولى الحظ الأكبر من فاتورة الغاز، بينما لا تستهلك مرحلة الدرفلة نسبة كبيرة من صافى استهلاك الطاقة، سواء الغاز أو الكهرباء، ما يعنى أن حصة الإنتاج الكاملة التى توفر قيمة مضافة صناعية بنسبة 100% تتكبد أضعاف الأعباء التى يتحملها قرابة نصف المتداول محليا من حصيلة الاستيراد والدرفلة، الذى لا تتجاوز قيمته المضافة 15% على أقصى تقدير.
وفق عناصر ومكونات الإنتاج، فإن فاتورة الوقود تُمثّل نحو 12% من كُلفة إنتاج الحديد، الذى يُمثل بدوره 12% من التكلفة الإنشائية للمبانى والاستثمار العقارى. وفى الوقت الذى لا تتحمل فيه أنشطة الدرفلة أو مستوردو الحديد تلك النسبة تقريبا، فإن المصانع المتكاملة وشبه المتكاملة تظل مُجبرة على سداد الفاتورة كاملة، ما يعنى نظريا مُضاعفة كُلفة الإنتاج بالنسبة لها قياسا على ما يتكلّفه المنافسون. الأمر يعنى أن الصناعة الوطنية تتحمل عبئا أكبر بنحو الثُمن، وينعكس ذلك على صناعة التشييد والبناء بعبء أكبر يطال الثُمن أيضا، وخارج تلك الدائرة يبدو المشهد وكأن الدولة تدعم - من دون قصد - مستوردى الحديد وصُنّاعه فى الخارج بتلك الفوارق الباهظة.
يستهلك إنتاج طن الحديد نحو 13 مليون وحدة حرارية فى المتوسط، تصل قيمتها وفق الأسعار الحالية إلى 71.5 دولار (1144 جنيها تقريبا)، بينما لا يتجاوز متوسط السعر عالميا مستوى 3 دولارات للمليون وحدة حرارية، بواقع 39 دولارا للطن تقريبا، ما يعنى أن خريطة التسعير الراهنة تُكبّد المصانع الوطنية 32.5 دولار للطن زيادة عن المنافسين، أو تدعم هؤلاء المنافسين بتلك القيمة (نحو 520 جنيها تقريبا)، ويتطور الأمر إلى حيز أكثر فداحة إذا تجاوزنا متوسط التسعير العالمى إلى النظر تجاه الأسواق الخارجية والمنافسين الدوليين بشكل تفصيلى، إذ يقل السعر لدى الدول المُصدرة لمصر عن 3 دولارات، ويهتز إلى 2.8 دولار فى الولايات المتحدة، و1.9 فى روسيا، و1.5 فى كندا، وهى مؤشرات ترفع أعباء المصانع الوطنية، أو تزيد مساندة الدولة للمُستوردين، إلى حدود قد تتجاوز 1000 جنيه كاملة للطن الواحد.
محنة الصناعة ورفاهية الاستيراد
ما يحدث الآن فى سوق الحديد، أن عددا من المصانع المُتكاملة باتت عاجزة عن العمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة، خاصة العاملة منها فى إنتاج عروق البليت، إذ تُحجم مصانع الدرفلة المحلية عن شراء الكميات المُنتجة والفوائض المتراكمة فى المخازن، لأن بالإمكان التعاقد على استيراد كامل احتياجاتها من الخارج بهامش يقل بين 50 و75 دولارا للطن، بحسب الخبراء الذين تحدثنا معهم.
يقول مصدر وثيق الصلة بصناعة الحديد المُتكاملة (تحفظ على التصريح بهويته) أن الضغوط التى تعانيها المصانع الوطنية قائمة منذ سنوات، لكنها ازدادت حدّة مع تضاعف الكُلفة الإنتاجية عقب تحرير سعر الصرف فى خريف العام 2016، لافتا إلى أن المصانع المتكاملة عاشت محنة حقيقية فى السنوات الثلاث السابقة، مع تراجع أسعار الصلب والبليت عالميا، وتقلّص تكلفة الإنتاج فى الأسواق المنافسة بنسبة كبيرة عن التكلفة المحلية، وأنه حتى بعدما التفتت الدولة إلى الأزمة العاصفة ربيع العام الماضى، بقرار وزير الصناعة رقم 346 لسنة 2019 بفرض رسوم بنسبة 25% على واردات الحديد و15% على البليت، ظلت الأمور على حالها تقريبا، إذ لم تتجاوز آثار القرار حدود الخصم من أرباح المستوردين، لكنهم ظلوا متفوقين على المنافس المحلى بفضل المزايا التنافسية الناتجة عن المضاربة فى سوق البليت العالمية، وعن محدودية التكلفة الاستثمارية والإنتاجية لمصانع الدرفلة قياسا على المصانع المتكاملة.
يرى المصدر نفسه، أن الوضع الراهن لا يعنى إرهاق المصانع الوطنية فقط، وإنما يُمثّل دعما خفيا للأسواق المُصدّرة للبليت خاصة دول آسيا وشرقى أوروبا وتركيا، موضحا أن سعر البليت الرسمى تراجع إلى نحو 400 دولار للطن، لكن بعض عمليات الإغراق والمضاربة على الفوائض تهبط به إلى ما بين 300 و350 دولارا فى كثير من التعاقدات، وأن فريقا من المستوردين المصريين أبرموا صفقات ضخمة بتلك الأسعار المُتدنية، وهو الأمر الذى يسمح لهم بإيصال المنتج النهائى للأسواق بدءا من 500 دولار وبحد أقصى 550 دولارا للطن، بينما تقترب تكلفة إنتاج البليت فى المصانع الوطنية من هذا المتوسط، ولا يقل المنتج المحلى عن حدود 600 دولار للطن فى أفضل الظروف. وبحسب المصدر فإن ضغوط تسعير الغاز تخلق فارقا فى إمكانية تسعير المنتج النهائى بين 10 و15%، يتسبب فى إخراج المصانع الوطنية من المنافسة، والأخطر أنه يُعزّز أرباح المستوردين، والمُصدّرين بالتبعية، بمقدار تلك القيمة، ويقود فى النهاية إلى تقويض الصناعة الوطنية وتسليم السوق لُقمة سائغة للشركات العالمية والتحالفات الكبرى التى تُمارس إغراقا ممنهجا للأسواق الصناعية الناشئة.
كعكة اقتصادية مختلة المقادير
تُسجّل الطاقة الإنتاجية المصرية من الحديد نحو 15 مليون طن، بحسب تصريحات صحفية سابقة لرجل الأعمال حسن المراكبى، المدير التنفيذى لواحدة من أبرز شركات الصلب المحلية، بينما يُشير تقرير سابق للبنك المركزى المصرى إلى تسجيل الإنتاج المحلى قرابة 6 ملايين طن خلال الشهور التسعة الأولى من 2018/ 2019، وبمتوسط سنوى عام يقل عن 8 ملايين طن، ويقع العبء الأكبر من الطاقة المُعطلة على المصانع المُتكاملة وشبه المُتكاملة، بينما يتقاسم المستوردون ومصانع الدرفلة حجم الطلب المحلى البالغ 7.5 مليون طن بحسب مؤشرات سوقية حديثة.
تبدو كعكة الحديد مُتناسقة على مستوى الحصص السوقية، فالنظرة الأولى تُشير إلى تقاسم السوق بين المصانع المُتكاملة وشبه المُتكاملة، ومصانع الدرفلة والمستوردين، لكن خارج هذا الإطار الضيق تبدو مقادير الكعكة مُختلة لعدة أسباب: أولا تتكبد الفئة الأولى فاتورة غاز تُقدر بـ286 مليون دولار تقريبا، وبحساب فارق تسعير الغاز محليا وعالميا يكون العبء نحو 104 ملايين دولار فى المتوسط زيادة على كُلفة البليت المستورد، وثانيا يُحقق الصلب المستورد والمُدرفل مبيعات بنحو 113% قياسا على المُنتج المحلى، بحسب تقرير سابق لوزارة الصناعة بينما يتراكم المخزون لدى المصانع المُتكاملة بمعدلات متنامية سجلت 400% قياسا على ما كان عليه الوضع قبل نحو سنتين، وثالثا يُمكن للمستوردين إيصال المُنتج النهائى للسوق بكُلفة أقل نحو 50 أو 75 دولارا للطن، ما يعنى إزاحة المنافسين وتعجيزهم عن استكمال السباق، ثمّ تحصيل تلك الفوارق لحساب الأرباح الصافية، وأخيرا فإن الكُلفة الاستثمارية والتشغيلية لدى مصانع الدورتين الكاملة وشبه الكاملة تتجاوز 7 أضعاف نظيرتها.
فى تصريحات سابقة، قال مدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أن استثمارات سوق الحديد تبلغ 170 مليار جنيه، منها أكثر من 163 مليارا بنسبة 96% للمصانع المُتكاملة وشبه المُتكاملة، ونحو 7 مليارات فقط بنسبة 4% لمصانع الدرفلة. وبحسب خبراء فى سوق الحديد فإن كُلفة المصنع الواحد بالطريقة المُتكاملة أو شبه المُتكاملة تتجاوز 800 مليون دولار، بينما تتراوح تكلفة مصنع الدرفلة بالطاقة الإنتاجية نفسها بين 20 و25 مليون دولار. إلى جانب المعيار السابق فإن التكلفة الإجمالية للإنتاج تشمل عددا من المكونات: قيمة الخامات ومُدخلات الإنتاج، سواء المحلية من الألومنيوم والفلوسبار والحجر الجيرى والفيرومنجنيز والفيروسليكون، أو المستوردة من خُردة وفحم وحديد إسفنجى وعروق بليت، ومستلزمات الإنتاج من أقطاب الجرافيت وقطع الغيار والدرافيل والزيوت والشحوم، وتكاليف الشحن والنقل الداخلى، والوقود من غاز طبيعى وكهرباء ومازوت وسولار، والعمالة والأجور النقدية والعينية والالتزامات التأمينية، وأخيرا الأعباء التمويلية من قروض وفوائد ورسوم وضرائب مبيعات، وحال النظر إلى كل تلك المكونات بصورة تفصيلية، سيبدو واضحا حجم اختلال المقادير ووصفة الطهى وعدالة تقسيم كعكة الصلب!
تُسهم صناعة الحديد بنحو 21% من الإنتاج الصناعى، الذى يُمثل بدوره الحصة الأكبر من مكونات الاقتصاد المصرى، وإلى جانب ذلك تُتيح قرابة 31 ألف وظيفة مباشرة، إضافة إلى عشرات الآلاف من الوظائف غير المباشرة فى قطاعات الوكالة والوساطة والتجارة والنقل والتسهيلات والخدمات المرتبطة بالسوق. وداخل تلك الصورة تبلغ حصة المصانع المتكاملة وشبه المتكاملة نحو 88% من العمالة، و96% من القدرات الاستثمارية، و100% قيمة مضافة قياسا على 15% فقط لمصانع الدرفلة، لكن الفريقين يتقاسمان السوق بالتساوى ويتعطل نحو 50% من طاقة الفئة الأولى، وبينما تتكبد تلك المصانع أعباء تشغيلية لأربع مراحل إنتاجية، وكثافة عمالية، واستهلاك كثيف للطاقة، واحتياجات تمويلية بفوائد تصل إلى 15%، تنحصر تكاليف الثانية فى 4 آلاف عامل ومرحلة إنتاج واحدة وباقة من خدمات الشحن والنقل والتخليص الجمركى، وفاتورة طاقة زهيدة للغاية قياسا على منافستها!
ما أُخذ باليمين وضاع بالشمال
قالت اللجنة الوزارية لتسعير الطاقة للأنشطة الصناعية خلال إقرارها السعر الجديد للغاز عند 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية فى مصانع الحديد، إنها ستُراجع الأسعار مرة أخرى خلال 6 أشهر. يحل موعد الاجتماع أواخر مارس المقبل، لكن رؤية كثير من المسؤولين للأمر لا تُبشر بانفراجة تصحيحية للأوضاع المُختلة، وفى المقابل فإن الرسوم الحمائية التى فرضها قرار وزير الصناعة على واردات البليت خلال أبريل الماضى بنسبة 15% لم تعد مؤثرة، وحتى بعد تعديلها فى أكتوبر 2019 إلى 16% ظلت محدودة التأثير، بينما من المقرر أن تتراجع إلى 13% فقط أوائل أبريل المقبل.
واقع الأمر أن ما منحته الحكومة من مساندة للصناعة الوطنية ضاع بسبب سياسات تسعير الطاقة، وبمعنى آخر فإن ما أخذته من المستوردين بـ"الشمال" لإنقاذ المصانع المحلية، أعادته إليهم بـ"اليمين" مرة أخرى أموالا تُوفّرها فوارق التكلفة، أو أعباء تتدفق فى خطوط الغاز لتخنق المنافسين. وإذا كان الوضع القائم حاليا أن مصانع الدورة الكاملة ونصف الكاملة تتكلف 600 دولار للطن من المنتج النهائى، بحسب خبراء وعاملين فى المجال، فإن مستوردى البليت يحصلون على الطن بنحو 400 دولار، وأقل أحيانا وفق تطورات المضاربة على فوائض السوق العالمية، ويتكبدون تكلفة إنتاجية لا تتجاوز 120 دولارا تشمل الرسوم الحمائية، لتكون كُلفة منتجهم النهائى 8 آلاف أو أكثر بنحو 320 جنيها للطن فى المتوسط، ويذهب الفارق إلى حسابات الربح، فإن ثبات أسعار الغاز عند معدلاتها الحالية يقود بحلول أبريل المقبل إلى مزيد من الخلل فى المعادلة، مع تقلّص الرسوم الحمائية نحو 12 دولارا للطن، تُضاف إلى دعم غير مُباشر يتجاوز 32 دولارا يوازى القيمة الحالية لما تتحمّله المصانع المحلية من كُلفة زائدة فى بند الغاز الطبيعى، وهو أمر سيقود بالضرورة إلى مزيد من تقليص الإنتاج لحساب الاستيراد، وإلى خسائر قد يتبعها انكماش اقتصادى أو تراجع فى النمو أو تخفيض فى الوظائف.
يرى المصدر الذى أشرنا إليه سلفا، أن الخطوة الأولى لضبط الصيغة المُختلة فى سوق الصلب وحديد التسليح، تبدأ من إعادة التوازن إلى المنافسة بين المصانع المُتكاملة وشبه المُتكاملة من جانب، والمستوردين ومصانع الدرفلة من جانب آخر، وإذا كانت الرسوم الحمائية المفروضة والمرشحة للتخفيض تدريجيا إلى 10% بحلول أبريل 2021 غير فعالة فى كبح جماح ممارسات الإغراق الضارة بالصناعة الوطنية، فإن الحاجة تبدو مُلحّة وعاجلة لضبط آليات تسعير الطاقة فى القطاع، والنظر إليها باعتبارها مُكوّنا رئيسيا من مُدخلات الإنتاج وليست وقودا فقط كما يُنظر إليها الآن، لافتا إلى أن الوصول بالسعر إلى 3 دولارات للمليون وحدة حرارية (بتراجع 45% عن الأسعار القائمة)، لتصل إلى مستوى المتوسط العالمى للتسعير فى أغلب الدول المنافسة، يُسهم فى تقليص أعباء المصانع الوطنية بأكثر من 100 مليون دولار (1.7 مليار جنيه تقريبا) وهو ما يُمثّل متوسطا بنحو 425 جنيها للطن، يكفى لتصحيح مُعادلة التكلفة والجدوى الاستثمارية والتشغيلية، وتعزيز قدرات المصانع المُتكاملة على المنافسة والحفاظ على حصة سوقية تتماشى مع حجم استثماراتها ونسبة إسهامها فى القطاع الصناعى ومُعدلات النمو الاقتصادى العام.
يختتم المصدر، وغيره من المتصلين بالقطاع، حديثهم فى الأمر بالتعبير عن قدر من الدهشة، موضحين أن مستويات تسعير الغاز السابقة كانت مُبررة نوعا ما حتى العام 2018، وقتما كانت السوق المصرية مرهونة بمعادلات الأسعار المتداولة فى السوق العالمية وكُلفة استيراد الغاز من الخارج، لكن بعدما حققت مصر اكتشافات عديدة وأحجام إنتاج قياسية أوصلتها إلى الاكتفاء الذاتى، بفضل حقلى ظهر ونورس وغيرهما من موارد الطاقة، يبدو الإبقاء على مستويات تسعير مُرتفعة للطاقة الموجهة إلى المعاقل الصناعية الكبرى أمرا مثيرا، خاصة فى ظل ما تُمثّله تلك الأعباء من ضغوط قاسية على العملية الإنتاجية، وعلى فرص النمو وتوسع الشركات والمستثمرين فى تلك القطاعات الحيوية. ورأى المُتحدثون أن الأمر نفسه ينطبق على فاتورة الكهرباء التى تبلغ نحو 230% تقريبا من نظيرتها بالخارج، إذ تتكبد المصانع 7 سنتات (112 قرشا) عن كل كيلو وات، بينما لا يتجاوز المتوسط الذى يتحمله المنافسون حول العالم مستوى 3 سنتات للكيلو (48 قرشا فقط) وبحساب إجمالى الإنتاج ومُعدلات استهلاك الكهرباء فى خطوط الاختزال والصهر والصب والدرفلة، تتنامى الفاتورة إلى مستويات مُرهقة للصناعة الوطنية، إذا أُضيفت إلى معادلة الغاز القائمة فإن تكلفة الإنتاج ربما ترتفع بأكثر من 15% قياسا على المثيل المستورد، وبطبيعة الحال تذهب تلك الفوارق الضخمة إلى جيوب المستوردين، وتُمثّل دعما غير مُباشرا للمُصدرين والأسواق الصناعية الخارجية، بدلا عن مساندة السوق المحلية واللاعبين الصناعيين فيها، وشدد المتصلون بالقطاع على خطورة الأمر وإلحاحه، وأن على الوزارات والجهات إعادة النظر للأوضاع القائمة، واتخاذ خطوات تصحيحية جادة لمساندة الصناعة الوطنية، وتجفيف مسارات الخطورة التى تُهدد بتغوّل المنتج المستورد على الوطنى، بما يتبع ذلك من تقلص فى القيمة المضافة والإنتاج والنمو والعمالة، وزيادة فى عجز الميزان التجارى وميزان المدفوعات وابتلاع فوائض النقد الأجنبى، وأخيرا إشعال سوق التشييد والاستثمار العقارى وإدارته وفق هوى التحالفات الصناعية والتجارية الناشطة فى سوق الصلب والبليت، وبعضها تتبع أجندات مُعادية للمصالح المصرية، كما فى حالة الشركات التركية!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة